اللي بدري بدري .. واللي ما بدري بيقول كف عدس
د.محمد البدور
16-06-2025 03:42 AM
مشكلتنا أننا عاطفيون، وبعضنا يطيش على شبر ماء! وعلى رأي المثل: "اللي بدري بدري، واللي ما بدري بيقول كف عدس." وهذا تمامًا ما ينطبق على مواقفنا اليوم تجاه ما يدور في محيطنا الإقليمي من أحداث متسارعة.
قد يكون معنا حق في كثير من تحليلاتنا وتأويلاتنا، وكلٌّ يغني على ليلاه السياسية. فنحن أمة واحدة، وكلنا تجرعنا السم الصهيوني، وباتت أفراحنا تُبنى على أي ضربة رمزية، ولو كانت طلقة خرطوش تُطلق على رأس إسرائيل، أو حتى فَشخة حجر!
لهذا نُصفق ونُهلل، ونضخّم مشهد مرور الشهب الإيرانية فوق رؤوسنا، وكأنها إعلان نصر، لمجرد أنها سقطت على إسرائيل. لكن الحقيقة أن تلك الشهب ليست إلا حُجة جديدة، بعد طوفان الأقصى، لتمزيق جسد الشرق الأوسط مجددًا، هذه المرة أيضًا، بسلاح أمريكي وبأيدٍ إقليمية، وفق سيناريوهات معروفة النهايات.
وما قد يُصيب إيران، سيكون شبيهًا بما جرى ويجري في غزة ولبنان وسوريا... والحبل على الجرار.
نحن نتسامر على أسطح بيوتنا وشرفات منازلنا، نُتابع وميض تلك الشهب التي تُصوّرها أحلامنا وأوهامنا على أنها ستحرق إسرائيل، وتحرر الأقصى، وتوقف حرب غزة! لكن الحقيقة أبعد من ذلك، وأكثر تعقيدًا مما توحي به العاطفة.
الأردن يدرك تمامًا ما خلف الجدار، وما تخفيه هذه الحرب من أسرار، وما يُحاك تحت أبطها من مخططات ومؤامرات. وهذا ما لا يدركه الكثيرون ممن تغيب عنهم دهاليز السياسة وخفايا المخابرات الدولية والتكتلات الإقليمية.
الأردن يتفهم حجم ما يُدبّر في الخفاء، ويقرأ جيدًا السيناريوهات المطروحة: ظاهرها تحرير فلسطين، وباطنها تثبيت زعامة إسرائيل في الإقليم، وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد.
لذلك، فإن الأردن صاحب السيادة على قراره وسمائه وأرضه وحدوده، ولا يفعل إلا ما تقتضيه مصلحته الوطنية العليا، وأمنه القومي ولا يحق لاحد ان يجادله بأمره ، في ظل هذه الصراعات والحروب والفوضى التي تراها امريكا وإسرائيل وقد تكون ايران نفسها وغيرها أدوات لصناعة شرق أوسط جديد.
ولا ناقة للأردن ولا جمل لفلسطين في هذه الفوضى، سوى قدر ما يدفع به عن نفسه من ضرر وشرر، وفتن لا تُبقي ولا تذر.
وعلى المفسرين والمحللين والمعبرين والمتسرعين في إصدار الأحكام على الأردن أن يتريثوا، وأن يُدركوا أن الخطب ليست كنار الحطب فـ"قريبًا بيذوب الثلج وبيبان اللي تحته".
فنحن في الأردن سقف بيتنا ليس من خشب، ليظن البعض أنه هش أو قابل للاختراق. فمناعته الوطنية صلبة وجبهته الداخلية منيعة على كل الذين يزايدون علينا بالشعارات من المحررين أو المغرَّرين الذين ابتلت ثيابهم بالماء التي تسيل من تحتهم واللي بدري بدري واللي مابدري بيقول كف عدس