facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




في حضرة الضمير الإنساني – الملك أمام البرلمان الأوروبي


المهندس سالم الخصاونة
17-06-2025 07:13 PM

في عواصم القرار العالمي حيث السياسة تتقدم على المبادئ والمصالح تتفوق على الأخلاق وفي قاعات كبرى كُتب فيها تاريخ قرارات مصيرية وقف رجل من الشرق لا يحمل إلا صدق الموقف وثبات القيم رجل لا يتحدث باسم قوة عظمى ولا يتكئ على تحالفات ضاغطة بل يتكئ على ضمير أمته وعلى تاريخه العريق وعلى بوصلته الأخلاقية التي لم تنحرف يومًا وقف الملك عبدالله الثاني أمام البرلمان الأوروبي في لحظة مفصلية لا فقط للأردن ولا فقط لفلسطين بل للضمير العالمي بأسره .

لم يكن ذلك الخطاب مجرد استعراض دبلوماسي أو مشاركة بروتوكولية بل كان شهادة من قلب الحقيقة وصوتًا يحمل أوجاع المظلومين وصدى الأرواح التي سقطت تحت الركام كان يحمل غزة بين كفيه ويحمل القدس في صدره ويحمل الحق في عينيه قالها بصوت الواثق إذا فشل مجتمعنا العالمي في التصرف بشكل حاسم تجاه ما يحدث في غزة والضفة الغربية فإننا نصبح متواطئين في إعادة تعريف معنى أن تكون إنسانا .

لم تكن الجملة صرخة فقط بل مرآة صادقة تكشف تواطؤ النظام العالمي وسقوطه الأخلاقي لم يكن الملك يتحدث عن معركة حدودية أو خلاف سياسي بل عن انهيار المعايير الإنسانية نفسها عن عالم بات يبرر القتل بالصمت ويزين الاحتلال بلغة القانون ويغض الطرف عن معاناة شعب محاصر منذ سنوات طويلة .

في خطابه وجه الملك أنظار الحاضرين إلى ما يتعامون عنه وقال بصوت العارف غزة خذلها العالم جملة تختصر التاريخ الحديث جملة توازي آلاف الصور وملايين الدموع جملة تعرّي صمت العالم وتفضح ازدواجية المعايير في التعامل مع الدم الفلسطيني .

ومضى يقول نحن الآن على مفترق طرق آخر حاسم في تاريخنا وهذا العام هو عام القرارات المحورية لعالمنا بأسره وكأنه يقول لكل قادة العالم إن ما تفعلونه أو ما تتجاهلونه اليوم لن يكون حدثًا عابرًا بل مفصلًا يؤرخ لنهاية ضمير أو بدايته نهاية الصمت أو بداية الوعي .

ثم توجه الملك إلى ما هو أعمق وإلى ما هو أثقل وزنًا من أي معادلة سياسية فتحدث عن القدس وعن الوصاية الهاشمية وقال إن إيمان الأردن راسخ بالقيم المشتركة وهذه القيم تقع في صلب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وهذه الجملة وحدها كافية لتشرح الموقف الأردني المتزن والثابت على مدار العقود ليس بوصفه التزامًا سياسيًا فحسب بل بوصفه واجبًا روحيًا وتاريخيًا وإنسانيًا لا يخضع للمقايضة .

في لحظة من لحظات الصدق النادرة في عالم السياسة قال الملك نشعر وكأن العالم فقد بوصلته الأخلاقية والحقيقة تتبدل كل ساعة وصف صادق لعالم لم يعد يعرف اتجاه الخير من الشر ولا يستطيع التمييز بين الضحية والجلاد بين من يهدم البيت على أصحابه ومن يدفن أبناءه بيديه في المقابر .

الملك لم يأتِ ليطلب ولا ليعتذر بل أتى ليُذكّر أتى ليوقظ ما تبقى من ضمير العالم أتى ليقول إن هناك من لا يزال يؤمن أن الإنسانية لا تُقاس بقوة الجيوش ولا بتقارير وكالات الأنباء بل بقوة الموقف ونقاء الرسالة .

ولعل أهم ما في خطاب الملك أنه لم يكتف بوصف الواقع المؤلم بل دعا إلى فعل دعا إلى التشبث بالقيم والتمسك بالحق والوقوف إلى جانب المظلوم في اللحظات التي تختبر صدق المبادئ وقوة الإرادة .

لقد كان خطاب الملك عبدالله الثاني أمام البرلمان الأوروبي علامة فارقة ونقطة ضوء في زمن كثرت فيه الظلمات خطاب قائد يعرف حجم الكارثة لكنه لا يستسلم يعرف حجم الظلم لكنه لا يصمت يعرف أن صوت الضمير وإن بدا ضعيفًا أمام ضجيج المصالح فإنه وحده القادر على تحريك عجلة التغيير .

في ذلك اليوم لم يتحدث ملك فحسب بل تكلّم التاريخ بصوته وتكلمت القدس على لسانه وتحدثت غزة من حنجرته وكان الأردن حارس العدالة ومدافع الحق في زمن بات الصمت فيه مشاركة والخذلان عنوانًا وازدواجية المعايير واقعًا يبعث على الأسى .

خطاب الملك لم يكن فقط وثيقة سياسية بل وثيقة إنسانية أخلاقية من رجل يعرف جيدًا أن الصمت اليوم جريمة وأن الكلام الصادق قد يكون آخر ما تبقى من شرف السياسة الدولية لقد أضاء شمعة في ظلمة واسعة وأبقى الأمل حيًا بأن هناك من لا يزال يؤمن أن الإنسان قيمة لا يجوز التخلي عنها تحت أي ظرف .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :