facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




من هم الشركاء الفاعلون في النظام العالمي القادم؟


ابراهيم غرايبة
18-06-2025 10:46 AM

لا يولد الجديد من جديد، لكنه تطور للقادم، والمستقبل محصلة تفاعلات الحاضر. مقولة برغم صحتها لم تعد صلبة متماسكة كما كانت على مدى التاريخ، فالمستقبل يبدو منقطعا عن الماضي بدرجة كبيرة، الذين ينظرون للعالم القادم؛مثل جاك أتالي، وبرتران بادي، وفرنسيس فوكوياما، وصمويل هتنغنتون؛ يستشعرون أن العالم القادم تخترعه أمم اصطلح الغرب على تسميتها "الجنوب" لكنهم ما زالوا أسرى مركزية تمنعهم أن ينظروا إلى العالم من خارجه ومن خارجهم، لكنهم بالتأكيد يقدمون شعورا عميقا وغامضا بالنظام العالمي القادم، لكنهم يظلون أسرى لعرض وتحليل النظام الدولي منذ تشكله وفق معاهدة وستفاليا (1648) حتى اليوم.

لم يعد يصلح لتفسير مسار العالم النظرة التأسيسية للعالم المعاصر بمعاهدة وستفاليا (1648) فالعالم القائم اليوم تأسس في لحظة انتحار آلن تورينغ (1954). لم يعد التاريخ كما السياسية والاجتماع يكفي أو يسعفنا كثيرا في تقدير المستقبل، ومنذ أدخل ابن خلدون (توفي في عام 1406) استقراء التاريخ لفهم الاجتماع والسياسة وتقدير المستقبل يعيد الفكر الإنساني إنتاج نفسه بثقة ونجاح في وعي الذات وإنتاجها أيضا. لكن العالم ومنذ أطلق ألن تورينغ (مات منتحرا في عام 1954) مشروعه العلمي لمعالجة المعلومات معالجة منطقية؛ يمضي في تسارع كبير في مسار جديد متغيرا بسرعة مذهلة، ويحرق المراحل وينتج مراحل أخرى جديدة يطوي بعضها بعضا، لقد أنتح العالم تغيرات عميقة وسريعة تفوق كما ونوعا التغيرات التي حدثت على مدى سبعمائة سنة بدءا بالنهضة الأوروبية، ومرورا بالثورة الصناعية وانتهاء بالحرب العالمية الثانية؛ عندما بدأت النهضة الأوروبية ثم الثورة الصناعية، فقد انهار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الشيوعية في أواخر الثمانينيات، وواجه العالم ما سمي “فقاعة الإنترنت” في العام 2000 ثم دخل في أزمة مالية كبرى وعميقة في العام 2008، ثم دخل إقليم الشرق الأوسط في حالة من الفوضى والصراع والتوتر صار يرمز إليها عالميا بـ "الربيع العربي" وهي في واقع الحال على خلاف تسميتها حالة عالمية أخذت في عالم العرب مسار الفوضى.

لكن ذلك ليس سوى مظهر بسيط بالنسبة للتغيرات التي تجري في الموارد والأعمال والمؤسسات والتجارة والاقتصاد والثقافة والعلاقات الدولية والاجتماعية. وأخيرا الفلسفة المنشئة لعالم لم يتشكل بعد، هي أيضا لم تتشكل بعد. ليس لدينا سوى أدوات معرفية برغم عظمتها وعبقريتها رحل عالمها الذي أنشأها وأنشأته. صارث مثيرة للشفقة! ولأجل متعة الاستطراد برغم ضلاله منجيا؛ العرافة (أصلها معرفة) واستقراء الأبراج والغيب (أصلها علم الفلك) والخوارق (أصلها علم الكيمياء) تحولت إلى أعمال وأفكار بائسة برغم صحة ونبل منشئها. وفي المقابل فإن الطب الذي بدأ بالخرافة والطلاسم والشعوذة تحول إلى علوم وتكنولوجيا متقدمة ونبيلة، وكذا جماعات المهمشين الذين نشاهدهم في أحزمة المدن والإشارات الضوئية كانوا جماعات نبيلة؛ من الفرسان وأصحاب المهن والحرف التي كانت هي الأكثر أهمية في عالم لم يعد موجودا.

يقول المفكر المستقبلي الفرنسي جاك أتالي: تتحول الإنترنت إلى قارة سابعة، وإلى قوة في ذاتها، وكيان مستقل، وتدير وتحرك أنظمة مالية واجتماعية وثقافية خارج السلطة السياسية والثقافية، حتى المركزية الأميركية المنشئة للإنترنت تتعرض للتحدي والأزمة.

لكن ثمة فرصة عظيمة ناشئة عن سؤال ملح وضروري يفرض نفسه على جميع الأمم، الصغيرة والكبيرة، والغنية والفقيرة عن موضعها الممكن في النظام العالمي الجديد وفي إمكانية المشاركة العالمية على نحو يجعل كل أمة أو دولة تتقبل العالم ويتقبلها، وتأخذ منه وتعطيه، وتضيف إليه ما يمكن أن يؤثر في مستقبله تأثيرا كبيرا وعميقا.
يمكن الإشارة اليوم إلى حالتين واضحتين للأمم التي تقدمت على أساس الأفراد الفاعلين، وهما سنغافورة؛ الدولة التي حولت مواطنيها إلى أفراد متعلمين تعليما متقدما ويمتلكون مهارات ومعارف ساعدتهم في إنشاء اقتصاد متقدم يحقق أعلى مستويات في العالم لمعدل دخل الفرد، واليهود الذين استثمروا في التعليم والمهارات المتقدمة؛ إذ يمثلون نسبة كبرى في العلماء والأطباء والمدراء الكبار للشركات العالمية والرواد العالميين في الاقتصاد والتجارة والعلوم والآداب والفنون؛ ما جعلهم برغم عددهم القليل أمة مؤثرة وقيادية في العالم.

إن النظام العالمي يتشكل على نحو مختلف عن المرحلة الماضية، ولم تعد نفسها المعاني والدلالات التقليدية لمكونات النظام العالمي، مثل السيادة والإقليمية والهيمنة والحوكمة العالمية والجهات الفاعلة والصراع وتعددية الأطراف مفاهيم ومعان جديدة، ذلك أنه يتشكل فضاء عالمي جديد بلا حدود، ويصعب التحكم المركزي والسلطوي به أو تنظيمه، وتتنامى فرص الفاعلين جميعهم دولا وجماعات وشركات ومؤسسات؛ بل وأفرادا أيضا للمشاركة في صياغة النظام والتأثير فيه، وقد يبدو ذلك خارج الخيال والتصور، لكن أحداثا فردية كثيرة أو تنتمي إلى مجموعات قليلة محدودة هزت العالم وغيرت فيه بعمق.

يلاحظ برتران بادي ببلاهة وعجرفة (كتاب عندما يعيد الجنوب اختراع العالم، بحث في قوة الضعف) أن النظام الدولي يتفاعل اليوم مع تحديات الاستقرار وفق التوترات المتزايدة بين الشمال والجنوب في الوقت الذي يتماثل العالم في القيم والاستهلاك وأسلوب الحياة، وصعود الهويات الفرعية والمهمشة والمرجعيات الدينية والروابط القبلية والمشاعر الحماسية الإثنية، وتعقيد أو صعوبة الرد على الهجمات والأعمال الإرهابية، والتكاليف المالية والاقتصادية الهائلة للمواجهة مع العنف والفوضى. واستدرجت مؤسسات فكرية وبحثية عربية عريقة نفسها لتجعل مقولات بادي المستمدة من عجز فرنسا عن استيعاب فئة من مواطنيها (أبناء وأحفاد المتعاونين مع الاحتلال الفرنسي للجزائر) مشكلة العالم! لكنه (برتران بادي) يتحدث جيدا على الأقل في إدراكه لإعادة البناء للنظام الدولي؛ تصور جديد للسيادة يتجاوز التخيل الهرمي القديم للدول، ويمتد التغيير أيضا ليعصف بالإقليمية لصالح الخصوصية، وتتخلى الهيمنة والقوة عن الاستقطاب وتفقد معنى السلطة، وإعادة تشكيل الفضاء العالمي في إطار تشاركي يتواءم مع نشوء المنافع العامة العالمية، والاندماج الاجتماعي الدولي، إذ السلام صار يرتبط بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :