احيانا تكون الصورة من بعيد مخيفة و غامضة ، لكن بمجرد أن نقترب منها تصبح مألوفة و قد يتبدل شعور الخوف لضعف و ندم من تردّد في الهجوم، هكذا ببساطة يمكننا وصف حرب اسرائيل و ايران ، فايران كانت للجميع قوة مخيفة، غامضة، لا نعلم حقيقة قوتها و إلى ما وصلت له في برنامجها النووي.
لكن بعد ما يقارب الاسبوع من الضربات الاسرائيلية الموجهة للعمق الايراني و استباحة تل ابيب لسماء ايران ، يمكننا القول أن ايران قد أخطأت خطأ فادحا عندما جعلت الاستباحة طبيعية و شائعة، لا ضربات سريعة اسرائيلية .
أتوقع أن اسرائيل بعد هذه الحرب قد ندمت على تأخرها ، فمن الواضح أنّها كانت تؤجل هذه الخطوة لتنتهي من ساحات اخرى ولو جزئيا كغزة و لبنان و اليمن ، فالجميع متفاجئ من رد الفعل الايراني ، فهل تخبئ ايران المفاجآت للنهاية؟
كان على ايران التي اظهرت هذه الفترة قوة أكبر و ردّات فعل أقوى لنكون منصفين في الوصف ، أن تجعل اسرائيل تعُدّ للمئة قبل أي طلعة جوية أو استهداف ، لكنها اليوم اصبحت للأسف ساحة طبيعية جدا ، و هذه نقطة ضعف قاتلة لطهران ، أن لا تجعل تل ابيب تتردّد في استهدافها ، كأنها الجنوب اللبناني أو حتى غزة.
و كنتيجة طبيعية لهذا التهاون الايراني الصادم ، سيسيل لعاب تل ابيب لتجرّ واشنطن لهذه الوليمة ، لتقوم امريكا منفردة أو عبر تحالف دولي بمحو البرنامج النووي الايراني و اطاحة اربعة عقود من الاحلام الايرانية نحو الهاوية ، بينما تستطيع ايران منذ البداية الجلوس على طاولة المفاوضات لتحافظ على ما وصلت إليه من طموحات.
ايران لم تكن ذكية بما يكفي ، فصورتها العامة و كرامتها تهمّانها اكثر من حلمها النووي ، هذا ما سيرغمها بعد استهداف امريكي عميق إلى الرضوخ نحو اتفاقات صفرية الفوائد لها، بينما تضمن تل ابيب تصفية برنامج طهران عن بكرة ابيه.
في خضم هذه المعركة قد يسقط النظام الايراني داخليا ، خصوصا إن رأى الشعب الايراني الوقت مناسبا و فرصة لايقاظ ثوراته التي لطالما قمعت بكل قوة ، أما في حال تم اغتيال الخامنئي بكل ما يحمله من هالة روحية مقدسة لدى الشيعة ، فهنا قد نجد تعاطفا شعبيا و ابتعادا عن الهدم الداخلي ، لذلك قد تكون هذه الحرب معقدة على جميع الاصعدة.
ترامب وايران..
لطالما احتقن ترامب عندما يذكر برنامج ايران و التسهيلات حسب رأيه التي قدمها اوباما حينها ، مما سمح لايران المضي قدما نحو تخصيب اليورانيوم و انتاج اسلحة فتاكة ، اليوم ترامب يبدو أنه عازم على تفكيك هذا البرنامج إلى غير رجعة.
ايران على الجهة المقابلة قد تستهدف امريكا عبر ضرب القواعد الامريكية في المنطقة ، أو حتى عبر استخدام صواريخ متطورة أكثر لم تكشف عنها ضمن مناوراتها المضادة.
نحن كعرب علينا أن نكون حذرين ، خصوصا الدول التي تقع ضمن هذا الحزام "العراق_ الاردن_سوريا لبنان" ، فمن الواضح أننا مقدمون على فترة متوترة قد تجعل المنطقة تدخل ضمن دائرة الحرب ، أمّا دول الخليج فعليها أن تعدّ خططا تجعلها قادرة على احتواء أي تسرّب اشعاعي _لا قدر الله.
في النهاية على ايران التعلّم من التجربة اليابانية ، فاليابان كانت تستطيع المضي قدما بدون استسلام و خسارة افظع و اعمق ، لكنها اليوم نجحت و تطورت بفضل ذلك الاستسلام ، أما ايران...فإن اتخذت من الصلابة عنوانا للمرحلة ، فقد تكون أمام خسارات عميقة...