أسباب إستعانة إسرائيل بالولايات المتحدة في حربها على إيران
م. مهند عباس حدادين
18-06-2025 01:32 PM
سؤال يطرح الآن في ظل حرب تشنها إسرائيل على إيران بصورة فجائية بعد مكالمة هاتفية بين الرئيس الأمريكي ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أثناء مفاوضات كانت تجرى بين الولايات المتحدة وإيران، تريد الولايات المتحدة من خلالها إنهاء عزلة إيران والسيطرة على النفط والغاز من خلال صفقات تجارية سلمية يبرع فيها الرئيس الأمريكي ترمب كونه رجل الصفقات ،لكن الوصول إلى هذا الإتفاق لم يكن في هذه السهولة في ظل وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والذي وضع أولوية تفكيك المفاعل النووي الإيراني وتدمير الصواريخ البالستية الإيرانية شرطا أساسيا لأي إتفاق بين الولايات المتحدة وإسرائيل ،حيث إستغل نتنياهو نفوذ اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة من أجل الضغط على الرئيس الأمريكي أثناء المفاوضات هذه، فما كان من رئيس الوزراء الإسرائيلي أثناء تلك المكالمة الهاتفية مع ترمب إلا وقام بإقناعه بأنه سيقوم بضرب إيران بمفرده ضربة إستباقية قاضية ليوهم الرئيس الأمريكي بأن إيران ستجلس على طاولة المفاوضات مذعنة لشروطنا ،فأتفق الطرفان على هذه الضربة بالسر ،فترمب بدأ يحلم بالشروط التي سيضعها على إيران لجلب أموال النفط والغاز للولايات المتحدة والخلاص من العقدة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط للتفرغ بعدها للصين ،ونتنياهو الذي سيكسب مكاسب سياسية تطيل عمره السياسي وقد تعفيه من المحاكمات المستقبلية،وكان يدور في ذهنه بأنه لو فشل في هذه الحرب فإن الولايات المتحدة والغرب ستسنده وسيكون بصورة شخصية رابحا في كلتا الحالتين.
بعد مرور 5 أيام على هذه الحرب التي شنتها إسرائيل على إيران شاهدنا إستنجادا إسرائيليا بالولايات المتحدة بعد الصمود الإيراني وتلقيه الضربة الإستباقية وعدم قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها الإستراتيجية وهي القضاء على المفاعلات النووية جميعها والصواريخ البالستية ، وسنستعرض أسباب هذا الإستنجاد الإسرائيلي بالولايات المتحدة:
1. أقدمت إسرائيل على ضربة إستباقية بدون خطة بديلة وظنت بأنها قد تسقط من خلالها المنظومة العسكرية الإيرانية بالكامل من خلال إغتيالات كبار القادة العسكريين والعلماء، إضافة إلى ضرب غرف عمليات عسكرية وقيادة وسيطرة ومفاعلات نووية ومضادات دفاع أرضية ولوجستيات من مطارات وبعض منصات إطلاق الصواريخ.
2. إمتصاص إيران الضربة الأولى وأستطاعت الرد الصاروخي على إسرائيل خلال 24 ساعة من بدء الهجوم عليها.
3. التسرع الإسرائيلي في الضربة حيث أن بعض القادة الذين وضعوا الخطط على الورق للهجوم على إيران تم إقالتهم من قبل نتنياهو الذي أصابه الغرور من خلال حربه على غزة وحزب الله ،وهو لا يعلم بأنه خلال حرب غزة منذ 20 شهرا قامت الطائرات الإسرائيلية بقرابة 10000 طلعة جوية وكانت مساحة غزة 360كلم مربع وهي قريبة جدا من القواعد الجوية الإسرائيلية وأن متوسط المسافة من القواعد العسكرية الإسرائيلية الى غزة 100 كلم، في حين تبلغ مساحة إيران 1648ألف كلم مربع، وتزيد عن مساحة غزة ب4578 ضعف، وتبعد الأهداف الإيرانية بمتوسط 2500 كلم عن القواعد الجوية الإسرائيلية ،يعني مسافة تزيد بمقدار 25 ضعف وتتضاعف إيضا المسافة بحساب العودة للطائرات من مكان إنطلاقها في إسرائيل ،كل ذلك أرهق سلاح الجو الإسرائيلي بعدم القدرة على تحقيق أهدافه ضمن الخطة الموضوعة بزمن محدد مما طلب الإسناد من الولايات المتحدة لتزويده بـ 30 من الطائرات المزودة للوقود إضافة الى الطائرات الحربية المقاتلة المتنوعة.
4. إسرائيل لم تخض حربا مع دول منذ عام 1973 ,حيث أن حروبها بعد ذلك التاريخ كانت مع أحزاب وفصائل وكانت الدولة التي تدير المشهد العسكري لتلك الفصائل والأحزاب هي إيران ،والتي إستفادت من تلك الحروب رغم خسارة بعضها لتقرأ التكتيكات العسكرية الإسرائيلية وطريقة معالجتها للمعاضل والحرب النفسية.
5. إغترار إسرائيل بإمتلاكها التكنولوجيا المتقدمة من حرب سيبرانية وسلاح جو متفوق وذكاء إصطناعي والذي لا يحتل أرضا، ونسيت بأنها تحارب دولة تصنيفها العالمي في القوة 16 يعني أقل درجة من إسرائيل ذات التصنيف15.
6. التدرج الإيراني في التكتيك العسكري بإستخدام الصواريخ من الأقل دقة إلى الأكثر دقة مما يعني إطلاق صواريخ أقل بفاعلية اكبر مع مرور الزمن كل ذلك سبب ضغطا على الداخل الإسرائيلي.
7. الخسائر الإقتصادية الباهضة اليومية وما سيترتب عليها مستقبلا من خلال شل حركة الحياة اليومية في إسرائيل.
8. الحالة النفسية التي يعيشها المواطن الإسرائيلي من الضربات الصاروخية ومكوث معظم أوقاتهم في الملاجىء.
9. بعد مرور 5 أيام لم تستطيع إسرائيل القضاء على الصواريخ البالستية الإيرانية ،ولم تستطيع أيضا تدمير أهم مفاعل نووي وهو مفاعل فوردو والذي قد يحتوي على يورانيوم مخصب تم نقله لهذا المفاعل بدرجة تخصيب 60% وكمية تقدر ب400كغم وبأجهزة طرد مركزية متطورة من الجيل السادس ، والذي يقبع تحت الجبال بعمق يزيد عن 90 متر ،لا تستطيع الطائرات الإسرائيلية تدميره،فمن يستطيع تدميره فقط الطائرات الأمريكية B2 وهي النسخة المطورة من B52 بإستخدام قنابل يصل وزنها 20 طنا،من خلال حملها لقنبلة GBU57 والتي تزن 14 طنا وتخترق لمسافة صخرية (خرسانية) قرابة 60م.
10.القوة الصاروخية ومنصات الإطلاق اللامركزية الإيرانية والتي تم توزيعها وإخفائها داخل التضاريس الإيرانية الوعرة مما يصعب كشفها ،إضافة إلى عدم إستخدام أنواع متطورة منها لغاية الآن في ضرب الأهداف الإسرائيلية كعنصر مفاجأة إيراني.
11. إستدراج إيران لإسرائيل لحرب طويلة الأمد وهذا ما لا تستطيع إسرائيل تحمله وخصوصا أن إسرائيل معروف عنها بأنها تخوض حروب قصيرة مثل حرب الأيام الستة وغيرها.
12. إستيلاء إيران على وثائق سرية إسرائيلية قبل بدء الحرب قد تستفيد منها بإدارة المعركة ،إضافة الى كشف الجواسيس داخل إيران وأسر قائدة طائرة F35 والإعترافات التي قد تساعد في إضعاف القوة الجوية الإسرائيلية.
من خلال ما سبق من سرد لبعض من الأسباب الموجبة لتدخل الولايات المتحدة لعدم قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها، وإقحام الولايات المتحدة في هذه الحرب إضافة إلى التدخل من حلف الناتو،حيث بدأت حاملات الطائرات الأمريكية بالإقتراب من المنطقة،كل ذلك وترمب يتمنى أن لا يتدخل ويتورط ويصبح أداءه الخارجي أسوء من أداء ممن سبقوه من الرؤساء والذين ورطوا الولايات المتحدة بحروب خسرتهم جميعا،ولا ننسى بأن الولايات المتحدة لديها توازنات عالمية مع دول عظمى أخرى مثل الصين وروسيا ودول أخرى نووية مثل كوريا الشمالية والباكستان وكذلك مصالح عسكرية وإقتصادية مع حلفاء لها في المنطقة،حيث بدأ الرئيس الأمريكي ترمب بتصريحات متناقضة وأخرى مستغربة مثل: "انه يعلم مكان المرشد الإيراني لكنه لا يريد إستهدافه في الوقت الراهن" وكأنه يقول له حياتك مقابل التنازل عن النووي، وتارة يهدد بإخلاء العاصمة طهران لإرغامها على التنازل كحرب نفسية يشنها على إيران ويقول أيضا: " نملك سماء إيران".
إن القرار الشجاع الأمريكي يأتي بالوقف الفوري للحرب وإعطاء الأفق السياسي للمفاوضات دون شروط مسبقة بحيث ينضم لها الدول العظمى وأهمها الصين وروسيا للخروج من هذا الفخ الذي يريد نتنياهو إيقاع الولايات المتحده به بشكل خاص والعالم بشكل عام .
*مدير مركز جوبكينز للدراسات الإستراتيجية