ادارة المخاطر في بيئة المشاريع: من التحديد إلى التحكّم
لانا ارناؤوط
21-06-2025 03:43 PM
في عالم المشاريع الذي يتسم بالتعقيد والتغيير المستمر، تظهر إدارة المخاطر كأداة حيوية لا غنى عنها لضمان النجاح وتحقيق الأهداف فالمخاطر بطبيعتها هي أحداث غير مؤكدة لا يمكن للتخطيط وحده السيطرة عليها، وإدارتها تعني القدرة على التنبؤ بها والتعامل معها قبل أن تتحول إلى أزمة تهدد مسار المشروع، تعتبر إدارة المخاطر نهجًا استباقيًا يهدف إلى التعرّف على التهديدات المحتملة سواء كانت داخلية أم خارجية والتعامل معها بطرق فعالة تحمي المشروع وتدعمه.
تبدأ عملية إدارة المخاطر بطرح مجموعة من الأسئلة التي تشكّل أساس هذا التخصص. ما الذي يمكن أن يحدث بشكل خاطئ، وكيف يمكن تقليل أثر هذا الحدث إذا وقع، وماذا يمكن أن نفعل قبل حدوثه، وماذا علينا فعله إذا وقع بالفعل؟ إن التفكير في هذه الأسئلة وتطوير إجابات عملية لها يفتح الطريق أمام وضع خطة متكاملة لإدارة المخاطر.
ولا تكمن أهمية إدارة المخاطر فقط في تجنب الكوارث، بل في تحويل المفاجآت إلى فرص، وفي تمكين مدير المشروع من السيطرة على سير العمل بشكل أفضل، مع تحسين احتمالية الالتزام بالميزانية والوقت المحددين للمشروع. إنها تمنح المشروع قدرة مرنة على التعامل مع المجهول وتحويله إلى جزء من الخطة المدروسة.
تمر إدارة المخاطر بعدة مراحل تبدأ بعملية التحديد، حيث يتم تجميع قائمة بالمخاطر المحتملة من خلال جلسات العصف الذهني وتحليل المشكلات وتكوين ملفات تعريفية للمخاطر، مع التركيز أولًا على التهديدات العامة ثم الانتقال إلى تلك الخاصة بالمشروع بعد التحديد، تأتي مرحلة التقييم التي تشمل تحليل السيناريوهات، وإنشاء مصفوفات تقييم المخاطر، وتحليل احتمالات الفشل والتأثير، واستخدام أدوات إحصائية مثل الأشجار الاحتمالية وتقنية بيرت التي تتيح حساب الزمن المتوقع للنشاطات ضمن بيئة غير مؤكدة.
عندما يتم التوصل إلى فهم واضح للمخاطر، تبدأ مرحلة تطوير الاستجابة وهنا يمكن للمشروع أن يقرر ما إذا كان سيعمل على تخفيف أثر الخطر، أو تجنبه تمامًا، أو نقله لطرف آخر مقابل تكلفة مالية، أو الاحتفاظ به مع اتخاذ إجراءات وقائية تأتي بعدها مرحلة التحكم بالمخاطر، وهي المرحلة التي يتم فيها تنفيذ الاستراتيجيات الموضوعة، ومراقبة الأحداث التي قد تنذر بحدوث خطر، وتفعيل خطط الطوارئ، إضافة إلى مراقبة أي مخاطر جديدة تظهر مع تقدم العمل.
ويتكامل هذا كله مع وجود نظام لإدارة التغيير يساعد على تتبع وتحليل وتحديث بيانات المخاطر باستمرار، وتوثيق المسؤوليات داخل بيئة تنظيمية منفتحة تشجع على التفكير النقدي والمراجعة الدائمة
أما على صعيد الأدوات، فإن استخدام تقنيتي بيرت وCPM يمثل أحد أبرز الأساليب المعتمدة في التخطيط والسيطرة على المشاريع، خاصةً في البيئات التي تتسم بعدم اليقين الزمني من خلال بيرت، يُقدّم لكل نشاط ثلاث تقديرات زمنية هي المتفائل والمتشائم والأرجح، ويتم احتساب الزمن المتوقع باستخدام صيغة إحصائية دقيقة. بعد ذلك يتم حساب الزمن الكلي للمشروع من خلال المسار الحرج، وهو أطول سلسلة من الأنشطة المتعاقبة التي تحدد وقت الانتهاء الفعلي للمشروع.
تكشف هذه المنهجية أن إدارة المخاطر لا تتوقف عند حدود التنبؤ، بل تتجاوزها إلى التخطيط والتحكم والتحسين المستمر. إنها فلسفة عمل تعزز من قدرة المشروع على التكيّف مع التحديات وتحقيق النجاح في بيئة تتطلب التفكير الاستراتيجي والعمل المنهجي. وبالتالي فإن تبني هذا الفكر في المؤسسات لا يعود فقط بالفائدة على مستوى المشاريع، بل يعزز من ثقافة التنظيم ككل ويجعله أكثر جاهزية للمستقبل.