ماذا لو أغلقت إيران مضيق هرمز؟
الدكتور قيس علي محافظة
23-06-2025 11:07 AM
في بقعة ضيقة من خريطة العالم، لا يتجاوز عرضها 33 كيلومتراً، ينبض شريان الطاقة العالمي الذي يقوم عليه جانب كبير من استقرار النظام الاقتصادي الحديث. إنه مضيق هرمز، الممر البحري الأكثر أهمية في العالم، حيث يعبر من خلاله نحو ثلث النفط المنقول بحرًا. ورغم صغر حجمه الجغرافي، إلا أن وزنه الاستراتيجي هائل. فماذا لو قررت إيران، في لحظة تصعيد أو رسالة سياسية مشفّرة، أن تُغلق هذا المعبر الحيوي؟
قد يبدو الأمر وكأنه سيناريو من أفلام الإثارة الجيوسياسية، لكنه في الواقع احتمال واقعي لا يغيب عن حسابات القوى الكبرى والأسواق الدولية. مجرد التلويح بإغلاق المضيق يُربك الأسواق ويرفع منسوب التوتر، فكيف إذا وقع فعلاً؟ إغلاق مضيق هرمز لا يعني فقط تعطيل الملاحة، بل يمثل خنقاً اقتصادياً واسع النطاق، إذ يمر عبره يومياً ما يقارب عشرين مليون برميل نفط. أي توقف، ولو مؤقت، ستكون له آثار فورية على أسعار الطاقة، وقد تدخل الأسواق في حالة من الهستيريا، ترتفع فيها الأسعار بلا سقف، وتُشل حركة ناقلات النفط، ويتأخر وصول الغاز الطبيعي المسال إلى المستوردين في آسيا وأوروبا.
ولا يقتصر الأمر على النفط وحده. فالمضيق ممر حيوي لآلاف السفن التجارية التي تنقل البضائع بين الشرق والغرب. إغلاقه سيحوّل طرق النقل العالمية إلى مسارات أطول وأكثر كلفة، ويضرب توازن التجارة الدولية في الصميم، ويضع سلاسل التوريد في اختبار قاسٍ. ستجد شركات الشحن العملاقة مثل Maersk و MSC نفسها أمام تحديات هائلة، من ارتفاع تكاليف التأمين، إلى خطر استهداف السفن، إلى تعطّل العقود مع كبار المستوردين.
خطورة هذا السيناريو لا تكمن في الفعل العسكري بحد ذاته، بل في الحرب النفسية المصاحبة له. فإيران تدرك جيداً أن مجرد التهديد بالإغلاق كافٍ لإثارة الذعر في الأسواق العالمية، لكنها تعلم أيضاً أن تنفيذ هذا التهديد قد يشعل مواجهة عسكرية شاملة في الخليج، لن يخرج منها أحد منتصراً. الولايات المتحدة وحلفاؤها قد يردّون بقوة، ولكن الثمن سيكون باهظاً. سيتحول سوق النفط إلى ساحة مقامرات، وتتهاوى سلاسل التوريد كزجاج هش، بينما تواجه الدول المستوردة للطاقة من الشرق إلى الغرب أزمة خانقة على مستوى الإمدادات والأسعار.
أما على الصعيد المحلي، فإن الأردن، رغم عدم إطلالته المباشرة على الخليج العربي، لن يكون بمنأى عن التأثيرات. فارتباطه الوثيق بالاقتصاد الخليجي وسلاسل التوريد الإقليمية سيجعله عرضة لتبعات غير مباشرة لكنها ملموسة. من المرجح أن ترتفع أسعار المحروقات محلياً، وتتأثر تكلفة النقل والإمداد، ما ينعكس على كلفة السلع والميزان الاقتصادي الوطني برمّته.
مضيق هرمز ليس مجرد معبر مائي، بل نقطة ضعف استراتيجية في قلب الاقتصاد العالمي. إنه أشبه بشريان رئيسي إذا ما قُطع، أصيب الجسد كله بالاختناق. وما يكشفه هذا التهديد هو مدى هشاشة النظام الاقتصادي الدولي، واعتماده الخطير على ممر واحد تتحكم فيه التوترات السياسية والجغرافيا.
وفي مواجهة هذا الواقع، تبرز الحاجة الملحّة إلى تنويع المسارات والمنافذ الاستراتيجية. ومن هنا تأتي أهمية مشاريع بديلة مثل "بوابة الهند (India-Middle East-Europe Economic Corridor - IMEC)"، التي قد تشكل خياراً استراتيجياً لتقليل الاعتماد على هذا المضيق وتوفير مسارات أكثر استقراراً وأمناً.
لقد بات واضحاً أن الارتهان لطريق واحد يجعل العالم بأسره رهينة، لا لإيران وحدها، بل لأي طرف يمتلك القدرة على إغلاق الباب وإلقاء المفتاح في البحر.