facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حين يصبح القتل قابلًا للنقاش


أ. د. هاني الضمور
24-06-2025 12:44 PM

في زحمة الأخبار المتسارعة عن الحروب، الصراعات، الانتهاكات، والدماء المسفوكة في أكثر من مكان، يبدو أن العادة قد بدأت تقتل الفعل. صرنا نشاهد الجرائم وكأنها مشاهد سينمائية معتادة، لا توقظ فينا إلا غضبًا عابرًا أو تعليقًا على مواقع التواصل، قبل أن نعود إلى روتين حياتنا، وكأن شيئًا لم يكن.

لكن الحقيقة الصادمة أن ما يجري في عالم اليوم لا يحتاج إلى محللين سياسيين، ولا إلى طاولات حوار تلفزيونية، ولا إلى نظريات العلاقات الدولية ليفهمه الإنسان العادي. فالصورة أصبحت واضحة، وما يحدث من انتهاكات فاضحة في فلسطين، ومن دعم أمريكي–إسرائيلي متواصل لسياسات القتل، لا يمكن تبريره تحت أي عنوان: لا الأمن القومي، ولا “حق الدفاع عن النفس”، ولا حتى منطق القوة.

ما نحتاجه اليوم ليس تحليلاً بقدر ما نحتاج إلى تفكير. نحتاج إلى التوقف قليلًا، والنظر بعين صادقة إلى الواقع: لماذا أصبح الدم العربي رخيصًا إلى هذا الحد؟ لماذا باتت القوانين الدولية أدوات انتقائية، تُستخدم فقط حين توافق مصالح القوى الكبرى؟ ولماذا تكرّس بعض الحكومات والأصوات السياسية دور “المُبرّر الأخلاقي” للمعتدي، بينما يُجرد الضحية من إنسانيته؟

إن ما تفعله الولايات المتحدة وإسرائيل، سواء عبر الدعم العسكري، أو الصمت عن الجرائم، أو حتى الخطاب الإعلامي المضلّل، لم يعد سرًا. والأنكى من ذلك أن هذا يحدث تحت أنظار “العالم الحر”، دون ردة فعل حقيقية، إلا من شعوب بدأت تُدرك أن المسألة لم تعد خلافًا سياسيًا عابرًا، بل امتداد لصراع طويل على الوعي والحق والوجود.

لكن المسؤولية لا تقع فقط على هذه القوى. بل تمتد إلينا نحن، كأفراد ومجتمعات. السؤال الجوهري: هل ما زلنا نُفكّر؟ أم أننا صرنا نبحث عن من يُفكّر عنا؟ ننتظر من السياسيين والخبراء أن يقولوا لنا كيف نشعر، ومتى نغضب، ومتى نصمت؟

هناك من يحاول جرّنا إلى متاهات التحليل العقيم، أو إلى خطاب التبرير باسم “الواقعية السياسية”، أو حتى إلى الشلل باسم “الحياد”. وكل هذا ليس إلا طريقة ناعمة لتخدير العقول، ومنعها من الفعل أو حتى الرفض.

إن العالم كما هو، اليوم، يواجه لحظة اختبار أخلاقي. وعلى كل فرد فيه أن يعيد النظر، لا فقط في الأخبار التي تصله، بل في موقفه الداخلي من كل ما يحدث. لأن المأساة لا تبدأ بالقتل، بل تبدأ حين يصبح القتل “قابلاً للنقاش”.

دعونا لا نخدع أنفسنا. الصراع اليوم هو على الحقيقة، على الوعي، على قدرتنا كبشر على أن نسمّي الأشياء بأسمائها: الظلم ظلم، والاحتلال احتلال، والقتل جريمة. وما لا نرفضه اليوم، سيصبح جزءًا من عادات الغد.

ليست هذه دعوة للعنف أو للتطرف، بل دعوة للوعي، لليقظة، لأن الفكر هو أول خطوط المقاومة. وأن تفكر بحرية هو أول خطوة لتحرير ذاتك ومجتمعك، قبل أي أرض.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :