facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التفاوض وقت الأزمات: فن النجاة وسط العواصف


لانا ارناؤوط
24-06-2025 08:42 PM

في لحظات التوتر الكبرى، حين تضيق الخيارات وتشتد الضغوط وتتراكم الخسائر، يصبح التفاوض ليس مجرد أداة سياسية، بل وسيلة للنجاة. إنه فن معقد يتطلب حكمة بالغة وقراءة دقيقة للواقع، خاصة عندما تُجرى المفاوضات في قلب الأزمة، حيث المشهد ضبابي والمخاوف مشروعة والثقة مفقودة.

التفاوض في الأزمات لا يشبه التفاوض في الظروف العادية. ففي الظروف المستقرة، يمكن للوقت أن يعمل لصالح الأطراف، ويمكن للنقاش أن يتسع. أما في لحظة الأزمة، فإن الزمن يضغط، والقرارات تؤخذ تحت ضوء باهت، والهواء مثقل بالمواقف المسبقة والانفعالات الحادة. في مثل هذا السياق، يصبح التفاوض أشبه بالسير على حافة هاوية، حيث أي خطوة غير محسوبة قد تعني السقوط في المجهول.

الهدف من التفاوض أثناء الأزمات لا يقتصر على حل فوري، بل يتجاوز ذلك إلى محاولة احتواء التصعيد وفتح نوافذ للحل واستعادة الحد الأدنى من التفاهم بين الأطراف. إنه محاولة لصناعة الأمل حين تشتد العتمة، وبناء جسور عبور حين تنهار الجسور القديمة. وقد لا يصل التفاوض إلى اتفاق نهائي، لكنه قد يمنع الحرب، وقد لا يُنهي الخلاف، لكنه يمنح الأطراف فرصة للتفكير مجددًا.

ما يميز المفاوض الناجح في مثل هذه اللحظات ليس فقط امتلاكه للمعرفة الكافية بملف الأزمة، بل قدرته على إدارة المشاعر، واحتواء الانفعالات، وحفظ توازنه الداخلي تحت ضغط التهديدات والخسائر المتسارعة. المفاوض الناجح لا يُستفز بسهولة، ولا ينجر وراء الاستفزاز، بل يدرك متى يتكلم ومتى يصمت، متى يلوّح بالقوة ومتى يمدّ يده للسلام، متى يتشدد ومتى يلين. إنه يقرأ ما وراء الكلمات، ويستمع إلى ما لا يُقال، ويدرك أن بعض الصمت أبلغ من ألف عبارة.

غير أن التفاوض ليس دائمًا قصة نجاح، فقد يفشل حين تغيب النوايا الصادقة، أو حين يُستخدم فقط لكسب الوقت، أو حين يُدار من قبل أشخاص لا يمتلكون صلاحية القرار أو لا يتمتعون بالثقة الكافية من شعوبهم. وقد يفشل حين تتحكم المصالح الخارجية بمساره، أو حين يُحاصَر إعلاميًا بطريقة تفرغه من جوهره. في المقابل، تنجح المفاوضات حين تتوافر الإرادة السياسية، وحين يُحسن اختيار التوقيت، ويُعتمد على مفاوضين ذوي كفاءة وخبرة، ويكون هناك حد أدنى من القبول المتبادل بين الأطراف، حتى في ظل الخلاف.

في منطقتنا، لطالما كان التفاوض ضرورة وجودية أكثر منه خيارًا سياسيًا. فالأردن مثلًا، المحاط بتوترات إقليمية متعددة، قدّم نموذجًا متوازنًا في استخدام التفاوض كأداة لحماية مصالحه والحفاظ على استقراره، دون التفريط بثوابته، ودون الانجرار إلى أتون الصراعات المحيطة.

إن التفاوض وقت الأزمات ليس علامة ضعف، بل مظهر من مظاهر القوة العقلانية. هو شكل من أشكال الصمود الهادئ، ومقاومة بأدوات ناعمة، لكنه يتطلب شجاعة من نوع خاص، تلك الشجاعة التي ترفض الهروب من الطاولة، وتقبل بمبدأ الإنصات للطرف الآخر حتى في ذروة الخلاف. ففي النهاية، قد لا يكون النصر الحقيقي هو كسب المعركة، بل تفادي الحرب.

نحن بحاجة اليوم، في عالم يموج بالأزمات، إلى إعادة إحياء قيمة التفاوض، ليس كوسيلة لإرضاء الخصوم، بل كوسيلة لحماية الأوطان. فحين تصمت البنادق، يجب أن يتكلم العقل، وعندما تنتهي مرحلة الصراخ، ينبغي أن يبدأ الحوار، لأن الكلمة قد تكون في لحظة ما أقوى من الرصاصة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :