المنطقة على الحافة بين المأزومين في ايران و اسرائيل
د. محمد البطاينة
25-06-2025 06:23 PM
محمد البطاينة
أكسب الموقع الجيوسياسي الحيوي للأردن البلاد دوراً محورياً في المنطقة منذ تأسيسها؛ و هو ما انتج فرصاً للدولة الاردنية في زمن التسويات الدولية في حين تنقلب هذه الفرص لتهديدات و مخاطر تكاد تعصف بالأردن في اوقات الأزمات الإقليمية؛ وهذا ما تبدى جلياً في الأزمة الأخيرة في صراع الأجواء بين الاطراف اليمينية في اسرائيل و ايران لتحيط بالأردن الأخطار كما يحيط السوار بالمعصم؛ في هذه المعركة هرب اليمين الإسرائيلي للأمام نحو ايران للتنصل من استحقاق جردة الحساب الداخلية منذ السابع من اكتوبر رغم محاولاته مسح عار الهزيمة الخاطفة بمسح القطاع عن الخارطة؛ مع كل ذلك لا يشي الأمر بقدرته على البقاء في صدارة المشهد الإسرائيلي بعد عجزه عن إكمال مهمته في قطع رأس المشروع الايراني بعد أن بتر اطرافه في المنطقة من أربعة جهات؛ في المقابل منٍي (بضم الميم) مشروع اليمين الايراني عبر ذراعه العسكرية المتمثل بالحرس الثوري بسلسلة هزائم في المنطقة ادت الى تواريه للظل و صعود التيار البراغماتي في داخل النظام الايراني ( الرئيس و مجموعته) إلى الواجهة الدولية؛ و في محاولة لسحب البساط من تحت اقدام التيار الثوري داخل النظام الايراني اظهر التيار البراغماتي تشدداً ايدلوجياً في البرنامج النووي لمضاهاة التيار المنافس و هو ما اوقعه في الكمين الترامبي ليُمارس الأمريكي الضغط بالقوة باستخدام الأداة الاسرائيلية في محاولة لترويض طموحات ايران و نزع انيابها و اضعاف القوة الاقليمية التي تمثل مركز الثقل للمصالح الصينية في الطاقة و طرق المواصلات وهما الشريكان المتضامنان في مناهضة الهيمنة الأحادية الامريكية على العالم وهكذا منح نتنياهو المأزوم طوق النجاة لخصومه الغارقين سياسياً من التيار الثوري الايراني و نقلهم من هامش رواية الأحداث إلى متنها.
الدولة الأردنية في عين العاصفة الأقليمية هذه حقيقة والاطراف اليمينية المأزومة على حدودها الشرقية و الغربية لم تألوا جهداً و لم تترك اجواءً في محاولة لتحويل الأردن إلى ساحة للصراع بُغية تصدير ازماتها ؛ كما في الكتاب ذائع الصيت jordan on the edge لم يتغير شيء كانت و ستبقى السياسة الأردنية -كما كانت تاريخياً- واقفةً على الحافة في كل الأزمات المحكومة بدكتاتورية الجغرافيا الأردنية المتموقعة في وسط البؤرة الأسخن في العالم ؛ ولطالما وقف الملك الراحل على هذه الحافة و اجتاز عتبة المعادلة الدولية بصلابة في المفاصل و المنعطفات التاريخية بالتعاضد مع بيروقراطية وطنية شكلت السياج الحامي للدولة؛ ولم تكن الأزمة الاخيرة استثناءً فسياسة الدولة اليوم هي امتداد لتلك السياسة الأردنية المتوازنة التي جنبت الأردن السقوط من على الحافة؛ و الواقع انه رغم الريبة التي زرعتها ايران في اوساط الدولة الأردنية و مؤسساتها على مدار السنوات الماضية بسعيها الذي لم يلٍن للعبث على الحدود الأردنية بحرب المخدرات و المليشيات؛ و في الداخل بتورط الأطراف المرتبطة بها بتشكيل خلايا لتوطين السلاح تحت ستار دعم المقاومة، مع هذا و ذاك الا ان التصريحات التي صدرت عن الملك عبدالله في ظلال الأزمة و التي وصفت الهجوم الاسرائيلي على ايران بالعدوان عكست موقفاً اردنياً متقدماً سياسياً و اخلاقياً كذلك.هذا الموقف المبدأي المتوازن لم يمنع مؤسسات الدولة في تلك الازمة أن تقف بحزم للحفاظ على اجوائها السيادية -رغم محاولات الاتهام و التشكيك الشعبوية- لمنع تحويل الأردن لساحة لتصفية الحسابات بين الاطراف المأزومة على قاعدة الحياد الجغرافي وهي السياسة التي أجبرت اسرائيل على سلوك ممرات لطائرتها مبتعدةً عن الأجواء الأردنية في مقابل دفع ايران أثمان هذا الحياد السياسي والنأي بالنفس باسقاط اجسامها الطائرة من الاجواء الاردنية.
مرحلياً ؛ أبعد التغيير الناتج عن مآلات السابع من اكتوبر في سوريا المخاطر الايرانية عن حدودنا الجغرافية الشمالية آنياً و الواقع انه غدا اقل تهديداً من ذي قبل بيدَ ان المخاطر الإسرائيلية كانت داهمة عبر محاولة زج الأردن بالأزمة و تصديرها وللمفارقة هنا فقد كانت بصواريخ عدوها الايراني عبر خلق ذريعة عدم اسقاطها لتستبيح اسرائيل سماء الاردن لحماية نفسها بالتوازي مع ذلك فقد دأب الاحتلال الإسرائيلي على بث دعايات سياسية من نوع" الخشية من تسلل مليشيات تستهدف اسرائيل من حدودها الشرقية" في اشارة الى الاردن و هي محاولة مكشوفة للاقتراب من الأردن اكثر و استباحة الضفة المحتلة و تصدير ازمتها للدولة الأردنية؛ الأردن مستهدف اسرائيليا و ايرانياً بمستويات مختلفة و هذا ما تدركه مؤسسات الدولة الاردنية العميقة؛ الأمر الذي فسر هذا التصلب بمواقفها السيادية في الأزمة الاخيرة وهي مواقف سياسية محسوبة بدقة و -على الحافة تماماً-وان لم تكن شعبية؛ والغاية غلق الأبواب في وجه الطرفين؛ لقد هشمت حرب الاستنزاف الاخيرة طرفي الأزمة و كشفت نقاط ضعفهما الأمنية و شكلت مآلات هذا الصراع فرصة أردنية و عربية ايضاً لاحتواء تغولهم الاقليمي بكبح جماح التوحش الإسرائيلي و قطع حبال التمدد الايراني في المنطقة؛ و لكن هل يعصم ذلك الضفة و -هي الجبهة السابعة-من المقامرة الإسرائيلية الاخيرة لكسر حالة التعادل الإقليمي في المنطقة بالركلات الترجيحية في مرمى السلطة الفلسطينية المنهارة وهل ستحاول ايران العودة إلى أمنها الحيوي عبر اشعال ازمة داخلية في دمشق و تهديد سلطة الشرع في سوريا ليصبح الاخير بين مطرقة اسرائيل و سنديانة ايران بغية التأثير على نفوذ القوى المنافسه لهما في المنطقة ( تركيا و السعودية) و أبعد من ذلك محاولة الطرفين المأزومين فتح صراعات بينية في لبنان لمحاولة إعادة ترميم نفوذهم الإقليمي من الخاصرة الأضعف والأكثر هشاشة للتدخل في المنطقة.