facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




ربحت الحرب وخسر المُتحاربون


فيصل سلايطة
26-06-2025 02:01 PM

في الحروب الكبرى، لا تُقاس الخسائر فقط بعدد الضحايا أو الدمار، بل تُقاس أيضًا بانهيار الرموز. القبة الحديدية، التي طالما رفعتها إسرائيل كدرع أسطوري يحميها من كوابيس الشرق، بدت عاجزة هذه المرة في الحرب الاخيرة بين اسرائيل و ايران.

الصواريخ عبرت السماء و ضربت بالمدن و الابراج و الشوارع ، صوت الانفجارات لم يكن مجرد هدير، بل إعلان واضح: إسرائيل ليست منيعة كما ادّعت.

فقدت تل أبيب شيئًا أثمن من الأرواح والبنية التحتية: فقدت صورتها كدولة لا تُقهر، تلك الصورة التي بُنيت خلال سنوات من التهديدات المحسوبة، والردع الدقيق. بدا وكأن التوازن الرادع قد انكسر، وأن أحد أهم أسلحة الحرب النفسية – وهم السيطرة الكاملة – قد سقط في أول أسبوع من المعركة.

المواطن الإسرائيلي، الذي اعتاد أن ينظر إلى القبة كمظلة سماوية لا تخطئ، بدأ يشعر بالذعر. في الملجأ، وفي الشوارع، وعلى الشاشات، انتقل الشعور من الثقة إلى الشك، ومن الكبرياء إلى الذهول. وهذا، بحد ذاته، نوع آخر من الخسارة.

أما إيران، فدفعت ثمناً لا يقلّ فداحة، وإن كان من نوع مختلف. برنامجها النووي، الذي بنته طهران كرمز لسيادة القرار، وحلم بامتلاك قوة ردع مستقلة عن الغرب، تعرّض لهجمة شرسة لم تقتصر على الطائرات والصواريخ، بل امتدت إلى الحرب السيبرانية والمخابراتية.

منشآت نطنز و فوردو و اصفهان ومواقع أخرى، أصبحت أهدافًا في حرب تُدار من السماء كما تُدار من الظل ، فتداعت احلام طهران في ساعات معدودة.

لكن الأخطر من الضربات، كان ما بعد الضربات: تشكّك الداخل، وانهيار الثقة في جدوى ما تم إنفاقه لعقود من عمر الشعب الإيراني. هل كان السعي وراء النووي يستحقّ هذا الخراب؟

هل كانت أحلام الردع تستحق أن تتحول المدن إلى رماد؟ بدا أن المشروع الذي رُفع كشعار سيادي صار عبئًا استراتيجيًا، يجرّ إيران إلى عزلة أكثر وحشيّة.

ومع هذا، فإن روح التحدّي لم تغب عن الخطاب الإيراني. فكما في كل جولة، تبقى طهران قادرة على إعادة تدوير الرماد إلى خطاب مقاومة. لكنها مقاومة تنزف، والمشروع النووي، وإن لم يُقتل تمامًا، بات كالجسد المفتوح في غرفة العمليات، يفتقد الحماية والسرّية وحتى الإجماع الداخلي.

صمت الصين وحياد روسيا التي خرجت بكلام و تهديد بلا أي افعال تذكر ، جعل من يتحالف مع هذه القوى الاقليمية ، يقوم بحسابات مطوّلة قبل أي صدام ،
ففي كل الحروب الكبرى، تراقب القوى العظمى المسرح من بعيد، بعيون تشبه الكاميرات الحرارية: لا تنفعل، لكنها تسجّل. هذا بالضبط ما فعلته الصين وروسيا في صراع تل أبيب وطهران. لم تتدخل بكلمة قاطعة، ولا بصفقة سلاح مباشرة، بل بقيتا تمارسان صمتًا استراتيجيًا يُحسب بميزان الذهب.

روسيا، المنهكة جزئيًا في مستنقع أوكرانيا، وجدت في الحرب فرصة لتعميق الارتباك الغربي دون الانخراط المباشر. حافظت على علاقاتها المتوازنة مع طهران، لكنها لم تمنحها مظلة حماية. أما الصين، فاختارت الاقتصاد على الأيديولوجيا، مستثمرةً في الحياد كي لا تخسر طرفًا في حرب قد تعيد تشكيل أسواق الطاقة والتكنولوجيا.

حيادهما لم يكن خيانة، بل استراتيجية. فالدب الروسي والتنين الصيني يعرفان أن العالم الجديد يُبنى حين تشتعل الحروب، لا حين تُطفأ. كل منهما كان ينتظر لحظة التدخّل حين تتعب القلوب وتبرد البنادق، ليعرض شروطه لا مساعداته. وفي صمتهم، كانت القوة تمارس صيغتها الأذكى.

وحدها الولايات المتحدة خرجت من ظل الحياد، كعادتها في الشرق الأوسط. وقفت خلف إسرائيل بكل ثقلها العسكري والدبلوماسي، أعادت تحريك بوارجها في المتوسط، وفعّلت أنظمة الدفاع المشترك. بدا الموقف وكأنّه عودة إلى زمن الحرب الباردة، لكن هذه المرة بوجه شرق أوسط أكثر تشظّيًا واحتراقًا.

لم يكن دعم واشنطن لإسرائيل جديدًا، لكنه هذه المرة حمل طابعًا وجوديًا، وكأنّ خسارة تل أبيب ليست فقط خسارة حليف، بل انكسار لمفهوم الهيمنة الغربية ذاته. في الممرات الخلفية للبيت الأبيض، كانت القرارات تتسابق مع الوقت، ليس لأن الحرب قد تخرج عن السيطرة، بل لأن السيطرة نفسها أصبحت مفهوماً قديماً.

ومع تصاعد أصوات الرفض في الداخل الأمريكي، وخشية الانجرار إلى صراع شامل، وجدت الولايات المتحدة نفسها أمام اختبار: هل تبقى راعية لسلام مستحيل؟ أم تتحول إلى شريك في حرب لا نهاية لها؟ في هذا التوقيت الحرج، لم تعد السياسة فن الممكن، بل صارت فن الهروب من المستحيل ، لذلك دخلت واشنطن الحرب كشرطيّ سير لا كجندي مقاتل.

إذن في النهاية لا يمكن لاسرائيل أن تتشدق بالنصر ، و ليس من حق أيران أن تحتفل به أيضا ، فكلاهما قد خسر كثيرا في هذه الحرب...الحرب الكاشفة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :