قياس الأثر التدريبي في القطاع العام
د.عبدالله القضاة
29-06-2025 04:26 PM
يقول استشاري الموارد البشرية روبرت هاف Robert Half: «هناك شيء أكثر ندرة من القدرة، ألا وهو إمكانية التعرف على القدرة»، والمقصود هنا، أن امتلاك شخص لموهبةٍ أو قدرة معينة هو أمرٌ نادر، ولكن الأندر منه هو القدرة التي تُعرفك على تلك المواهب وتكشف لك قدرات موظفيك بحق، ومن الصعب إكتشاف هذه القدرات دون قياس الأثر التدريبي بكفاءة ومطابقته مع أهداف المؤسسة وطموحات موظفيها.
القطاع العام الأردني؛ يعكف حاليا على تنفيذ خارطة تحديث الإدارة العامة؛ ومن ضمن هذه الخارطة محورا مهما ؛ وهو محور الموارد البشرية؛ ومن أهم مكونات هذا المحور التدريب ، وينفذ هذا التدريب من عدة جهات لعل أهمها معهد الإدارة العامة، والمعهد المالي، والمعاهد الحكومية المتخصصة؛ إضافة الى جهات التدريب الخاصة التي تنفذ برامج تدريبية حكومية مختلفة فد لا يمكن تنفيذها لدى جهات التدريب الرسمية.
وحيث أن الحكومة تنفق مبالغ لا بأس بها لتطوير قدرات ومعارف موظفيها من خلال البرامج التدريبية المتنوعة؛ من حقها أن تقيس أثر هذه البرامج على الأداء المؤسسي، على إعتبار أن عملية التدريب إستثمار في المورد البشري؛ وهذا الإستثمار لابد من أن يكون له أثر وميزة تبرر الكلف المالية والوقتية المنفقة عليه.
وعليه ، نطرح مجموعة من التساؤلات لتشكل الإجابة عليها إلقاء الضوء على هذا الموضوع الهام.
التساؤل الأول: ماهو المقصود بقياس الأثر التدريبي، وماهي المستويات المستخدمة لعملية القياس، والجهات المعنية بالتنفيذ؟
قياس الأثر التدريبي هو عملية منهجية وتقويمية ترمي إلى تحديد وقياس التغيّرات الفعلية التي تحققها البرامج التدريبية على أداء المتدربين والمؤسسة بشكل عام، ثم إقتراح ما إذا كانت هناك حاجة لإجراء التحسينات المستمرة في هذه العملية.
وقبل أن نقيس الأثر التدريبي؛ علينا التحقق من سلامة مدخلات وعمليات التدريب، بدءا بعملية تحديد الإحتياجات التدريبية الحقيقية لبيان الفجوة الفعلية في الكفايات وتحديد مستواها لتشكل أساس تصميم البرامج التدريبية، وفي هذه المرحلة يأتي دور وحدات الموارد البشرية والتطوير المؤسسي في الدوائر، والتساؤل الثاني ؛هنا: هل هذه الوحدات مؤهلة فنيا للقيام بهذه المهمة ؟ علينا أن نعترف أن قدرات هذه الوحدات في معظم المؤسسات متواضعة ولابد من تقديم الدعم الكاقي لها سواء من حيث إختيار العاملين فيها وتطوير مهامها ، وكذلك تكليف معهد الإدارة العامة بإطلاق مشروع لبناء قدرات العاملين فيها ، حتى تتولى القيام بالتحديد المبدأي لهذه الإحتياجات بمساعدة المعهد ، وتتولى هذه الوحدات تصميم البرامج التدريبية والتطويرية التي تلبي الإحتياجات التدريبية وفقا لمستوى الكفايات الفعلي، ويمكن الإستعانة مستقبلا بمركز تقييم الكفايات في هيئة الخدمة المدنية والادارة العامة، وفي هذه المرحلة نحدد الأساس المرجعي لقياس الأثر التدريبي عليه، ووجوده يشكل حجر الرحى في نجاح عملية القياس مستقبلا.
السؤال الثالث : من هي الجهة المخولة بقياس الأثر التدريبي؟ ذكرنا سابقا أن وحدات التطوير المؤسسي وبمساعدة معهد الادارة العامة وهيئة الخدمة المدنية تنجز مرحلة تحديد الاحتياج التدريبي وتصميم البرامج التدريبية، بعد ذلك تأتي عملية التنفيذ، وذكرنا؛ أن هناك أكثر من جهة يمكن اللجوء اليها لتنفيذ البرامج التدريبية، فهل هذه الجهات، هي المطالبة بعملية قياس الأثر التدريبي بكافة مستوياته؟
يمكن للمؤسسات الحكومية تتبع أثر التدريب بدءًا من الانطباع الفوري للمشاركين وصولاً إلى نتائج ملموسة على مستوى الأداء الاستراتيجي، باإستخدام نموذج كيركباتريك Kirkpatrick) (Model لقياس أثر التدريب؛ والذي يتكون من أربعة مستويات متسلسلة، وكلّ مستوى يقيس جانباً محدداً من تجربة التدريب ونتائجه: المستوى الأول: ردود الفعل (Reaction)، ويقيس مدى رضا المشاركين عن جوانب البرنامج التدريبي (المحتوى، والمدرب، والبيئة، والأساليب)، بهدف التأكد من أن المتدربين وجدوا البرنامج مفيداً وملائماً لاحتياجاتهم.
أما المستوى الثاني : التعلُّم Learning)) ويقيس مقدار اكتساب المتدربين للمعارف والمهارات والاتجاهات الجديدة، وأداة القياس: اختبارات ما قبل وما بعد التدريب، تمارين عملية، تقييمات دقيقة لمستوى الفهم، بهدف التأكد من أن المحتوى التدريبي تحقق أهدافه من ناحية المعرفة والمهارة.
المستوى الثالث والرابع؛ يتم قياسهما بعد مرور فترة زمنية من إنتهاء البرنامج التدريبي، فيقيس السلوك (Behavior) مدى تطبيق المتدربين لما تعلّموه في بيئة العمل اليومية، من خلال ملاحظات أداء، مقابلات مع المديرين والزملاء، استبيانات متابعة بعد فترة (مثلاً بعد 3–6 أشهر)، بهدف تحديد مدى نقل التعلم إلى الواقع العملي وتأثيره على سلوك الموظف.
أما مستوى النتائج (Results)فيقيس التأثير الكلي للتدريب على مؤشرات أداء المؤسسة الاستراتيجية مثل:الإنتاجية ، ترشيد النفقات وغيرها، ويتم إستخدام عددا من الأدوات مثل: بيانات أداء قبل وبعد التدريب، مؤشرات KPI مؤسسية، تحليلات مالية وغيرها بهدف تقييم القيمة الفعلية للتدريب للمؤسسة وتبرير الإنفاق عليه.
من منطلق الحوكمة ، الجهة التي تنفذ التدريبي يجب أن لاتقيس أثره بجميع مستويات القياس، حتى لو إستطاعت ذلك، فمعهد الإدارة العامة؛ على سبيل المثال، يستخدم منهجية لتقييم برامجه التدريبية على المستويين الأولين من النموذج أعلاه؛ : ردود الفعل : ( Reaction) من خلال إستبيان يوزع على المشاركين في نهاية البرنامج التدريبي يقيس مدى رضا المتدربين عن محتوى وطريقة التدريب، وكذلك قياس التعلم (Learning) لمعرفة حجم اكتساب المتدربين للمعارف والمهارات الجديدة، من خلال إختبار قبلي وبعدي وكذلك إختبار إجتياز.
والسؤال هنا: هل معهد الإدارة العامة وغيره من الجهات التدريبية معنيين بقياس المستويين الآخرين : السلوك والنتائج ؟ من خبرتي الطويلة في هذا الجانب، أرى أن قياس السلوك والنتائج لاتقع على عاتق جهة التدريب، وإنما يجب أن يضاف لمهام وحدات الموارد البشرية والتطوير المؤسسي ،فهي الأقدر على قياس مدى تطبيق المتدربين لما تعلّموه في بيئة العمل اليومية، والتأثير الكلي للتدريب على مؤشرات أداء المؤسسة الاستراتيجية لأن الموظف لديهم ، ومقياس الأساس تم بإشرافهم ولديهم البيانات التاريخية عن مستوى كفايات الموظفين قبل وبعد التدريب.
في ضوء ماتقدم؛ أقترح على معالي وزير الدولة لتطوير القطاع العام ، إطلاق مشروع تمكين وحدات الموارد البشرية والتطوير المؤسسي من حيث الإطار الهيكلي والمؤسسي لإثراء مهامها بشكل قابل للقياس وبناء قدرات العاملين فيها بعد قياس كفاياتهم والتحقق من مدى ملائمتها للمهام الجديدة وتطوير مؤشرات أداء لقياس مدى فاعلية هذه الوحدات في تحقيق التطوير المؤسسي المنشود.
abdqudah@gmail.com
* أمين عام وزارة تطوير القطاع العام ومدير عام معهد الإدارة العامة سابقا