facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الوعي المجتمعي في مواجهة الأزمات العامة


لانا ارناؤوط
30-06-2025 07:27 PM

يشكّل الوعي المجتمعي في مواجهة الأزمات العامة كالجوائح والحروب والاحتجاجات معيارًا أساسيًا لقياس مدنية الدولة، وكفاءة الحكومات، وطبيعة الاستجابة الشعبية، ويتجلى ذلك واضحًا في الحالة الأردنية التي قدمت نماذج متباينة في التعامل مع مثل هذه الأزمات.

تتمثّل الأزمات، سواء كانت صحية أو سياسية أو أمنية، في كونها اختبارًا فعليًا لمدى جاهزية الدولة وقدرتها على إدارة التحديات بكفاءة وشفافية. إذ تكشف الجوائح، مثل جائحة كورونا، عن عمق العلاقة بين المؤسسات الرسمية والمواطن، وتبيّن بشكل جلي مستوى الثقة المتبادل بين الطرفين. ففي الحالة الأردنية، عكست الاستجابة الشعبية للقرارات الحكومية مدى الانسجام أو التوتر الكامن في العلاقة بين الدولة والمجتمع. فعلى الرغم من إجراءات الحكومة المبكرة في التعامل مع الجائحة، إلا أن موجات متتالية من القرارات المتناقضة عالمياً في بعض الأحيان، أدت إلى تذبذب واضح في مستوى الثقة الشعبية بالحكومات على مستوى العالم، ومن بينها الأردن.

أما في أزمات الحرب والصراع، كما في حالة الاحتجاجات السياسية أو الاقتصادية، فإن رد فعل المجتمع الأردني ظل غالبًا محافظًا على توازن دقيق بين التعبير عن الرأي والحفاظ على الاستقرار الوطني. فالاحتجاجات الشعبية التي شهدها الأردن في السنوات الأخيرة، أكدت على وعي المجتمع الأردني بأهمية الحفاظ على سلمية التحركات والابتعاد عن العنف والتصادم مع مؤسسات الدولة، وهو مؤشر على النضج السياسي والمدني الذي يتمتع به المواطن الأردني.

إن استجابة الدولة تجاه هذه الاحتجاجات، من جانب آخر، كانت متفاوتة في قدرتها على التواصل الفعال مع المحتجين وتفهم مطالبهم بعمق، وقد عكست هذه الاستجابة مدى التزام الدولة بمبادئ المدنية والحوار الديمقراطي. فبينما نجحت أحيانًا في احتواء الأزمة عبر الحوار والاستجابة الجزئية للمطالب، بدت أحيانًا أخرى أكثر تحفظًا أو تصلبًا، ما أدى إلى توتر أكبر، وأظهر ضرورة مراجعة استراتيجيات الاتصال وإدارة الحوار المجتمعي.

وفي السياق ذاته، تبرز أهمية الإعلام والتوعية العامة في تعزيز الوعي المجتمعي تجاه الأزمات، فالإعلام المسؤول الذي يقدم المعلومة الدقيقة والشفافة، يساعد في ترسيخ الثقة وتعزيز المسؤولية الفردية والجماعية. وعلى النقيض، فإن الإعلام الموجه أو الغامض يزيد من حالة القلق والارتباك المجتمعي.

في ضوء ذلك، يمكن القول إن التجربة الأردنية تؤكد أن وعي المجتمع وقدرته على التعامل المسؤول مع الأزمات يعتمدان إلى حد كبير على قدرة الدولة على تقديم استجابات مدنية، شفافة، تحترم حقوق المواطن وتضمن مشاركته الفاعلة في إيجاد الحلول. وهذه العلاقة التفاعلية بين الدولة والمجتمع، هي التي تحدد في نهاية المطاف مدى نجاح الأردن في إدارة الأزمات والحفاظ على الاستقرار والسلم الاجتماعي، وبالتالي تعزيز المدنية والديمقراطية بشكل مستدام.

ينبع الوعي المجتمعي في الأزمات من رصيد طويل من الخبرات الجمعية المتراكمة، ومن قدرة المجتمع على قراءة ذاته وتقدير حجم المخاطر والفرص التي تتخلل الظروف الصعبة. ولعل أكثر ما يكشف عن أصالة هذا الوعي هو مدى تناغمه مع الإدارة الحكومية في لحظات الحسم، حين يكون القرار الجمعي مرتهنًا لا بردة فعل عاطفية، بل بفهم عميق للمصلحة العامة.

في الأردن، يظهر هذا التناغم في لحظات فارقة: حين يتداعى المجتمع مع الدولة لمواجهة خطر خارجي أو كارثة صحية أو اضطراب اقتصادي، يتجلّى شعور بالمسؤولية المشتركة، وكأن المجتمع والدولة وجهان لعملة واحدة، كلٌّ منهما يكمّل الآخر في معادلة البقاء والنجاة. لا يعني ذلك غياب النقد أو الاحتجاج، بل على العكس؛ كلما ارتفع مستوى الوعي، ازداد إلحاح المجتمع على ضرورة المساءلة والشفافية، فالإيمان بالدولة لا يلغي حق الاختلاف ولا الحاجة للحوار.

عندما تتسم الإدارة الحكومية بالحكمة والوضوح وتمنح المواطن مكانه في صناعة القرار أو الرقابة عليه، يزداد منسوب الثقة، ويصبح الامتثال الطوعي للقرارات أكبر من أي قانون قسري أو سلطة فوقية. العكس صحيح كذلك: كلما اتسعت الفجوة بين وعي المجتمع وخيارات الحكومة، تعاظمت مشاعر الريبة وارتفعت احتمالات الصدام أو الانكفاء، لأن الناس لا يتصرفون بوصفهم رعايا بل شركاء في المصير.

وقد كشفت الأزمات الكبرى—من جائحة كورونا إلى الاحتجاجات الاقتصادية—أن النسيج المجتمعي الأردني يحتفظ بطاقة هائلة من التعاطف والمسؤولية، لكنها تحتاج دومًا إلى خطاب حكومي شفاف، يتسم بالعدالة، ويصغي لأصوات الناس بجدية. هنا ينشأ التناغم: ليس باعتباره حالة مثالية دائمة، بل كهدف ديناميكي، لا يتحقق إلا بالتجديد الدائم لقنوات التواصل والثقة بين الطرفين.

إن الوعي المجتمعي لا يقاس بمقدار الانضباط فقط، وإنما بقدرته على المبادرة والفعل في مواجهة الأزمات، وحين يترافق ذلك مع إدارة حكومية رشيدة، يصبح التناغم رافعة حقيقية لمدنية الدولة واستدامة السلم الاجتماعي. ففي النهاية، الدولة التي تؤمن بوعي مواطنيها وتجعلهم شركاء في إدارة الأزمة، تكتسب مناعتهم الأخلاقية والاجتماعية، وتستطيع أن تعبر أحلك الظروف بأقل الخسائر وأكثر المكاسب.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :