الخمر الفاسد .. بين فداحة الجُرم وخطورة الشماتة
د. حمزة الشيخ حسين
30-06-2025 09:42 PM
في مشهد موجع هزّ الرأي العام الأردني، تلقّينا نبأ وفاة تسعة مواطنين إثر تناولهم مادة كحولية مغشوشة، ثبت لاحقًا احتواؤها على مواد سامة قاتلة.
حادثة ليست فقط صحية أو جنائية، بل إنسانية ودينية وأخلاقية بامتياز، تستحق الوقوف عندها بعمق وهدوء.
الخمر في ميزان الشرع محرّمة، وعدّها النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر، ولعن شاربها وعاصرها وبائعها، لكن حرمتها لا تبيح لنا أن نمارس جلدًا جماعيًا أو نشمت بمن مات وهو عاصٍ لله.
هؤلاء الضحايا ـ على ما ارتكبوا ـ هم بشر مثلنا، لهم قلوب ونفوس، ولهم أهل يبكونهم، وحقهم علينا أن ندعو لهم، لا أن نحتقرهم أو نظهر الفرح في موتهم.
إن أهل السنة والجماعة لا يُكفّرون صاحب الكبيرة، ما لم يستحلّها. ومن شرب الخمر دون استحلال فهو عاصٍ، لا يُخرج من الملة، ولا يجوز التنكّر لإنسانيته، ولا إهانة موته.
وفي الوقت الذي نستنكر فيه بشدة وجود الخمر في مجتمع مسلم، وترويجها، وتعاطيها، فإننا نستنكر بالقدر نفسه الشماتة بالمذنب، فهي من قسوة القلب، وليست من هدي الرحمة.
وقد قال النبي ﷺ: “لا تُظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك.”
ولعلّ الأهم من كل ذلك، أن نوجه النظر إلى المجرمين الحقيقيين في هذه القضية:
• أولئك الذين يصنّعون أو يهرّبون أو يبيعون مواد سامة تحت مسمى الخمر.
• والذين يروّجون للسموم وسط الفقراء والمهمشين.
• والذين يستغلّون غياب الرقابة ليحولوا الخمر إلى مقصلة تفتك بأبناء الوطن.
لا بد من تشديد الرقابة، وتغليظ العقوبة، وقطع دابر شبكات الترويج والبيع، فالمسؤولية ليست فقط على من شرب، بل على من أجرم في صناعته ونشره وغشه.
في الختام، أقول:
اللهم ارحم من مات، واغفر لهم، واهدِ من بقي، وطهّر بلادنا من الخمر والربا وسائر المعاصي، ولا تجعل في قلوبنا غلًا ولا شماتة، واهدنا لما تحب وترضى.