facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إدارة الأزمات بعد وقوعها: الخيار الأسوأ في زمن التحديات المتراكمة


لانا ارناؤوط
02-07-2025 10:16 PM

حين ننتظر حتى تقع الأزمة، نكون قد خسرنا نصف المعركة، وربما أكثر. في عالَم تتسارع فيه التحديات، وتتعقّد فيه الأزمات بفعل العولمة والتقنيات والبيئة المتغيرة، تصبح إدارة الأزمات بعد وقوعها أشبه بمحاولة إنقاذ مركب يغرق وسط العاصفة، من دون بوصلة، ومن دون أطواق نجاة.

في الفكر الإداري الحديث، يُنظر إلى "الإدارة ما بعد الأزمة" كخيار اضطراري، لا استراتيجي. فهي تعني أننا لم نكن مستعدين، لا على مستوى التنبؤ، ولا الوقاية، ولا التخطيط. إنها تعني غياب رؤية استباقية، وافتقار إلى سيناريوهات بديلة، وتجاهل إشارات مبكرة كانت كافية ربما لتجنب الكارثة أو تخفيف آثارها. وعندما يغيب كل ذلك، تصبح التكلفة البشرية، والاقتصادية، والاجتماعية، وحتى السياسية، أعلى بكثير من أي تدخل وقائي.

تتسم الإدارة اللاحقة للأزمة بأنها تدار غالبًا تحت ضغط الزمن، وفي ظل توتر شعبي، وفوضى إعلامية، وتدافع في المسؤوليات. ما من وقت للتحليل العميق، ولا للمشاورة، ولا لتجريب الحلول. ما يتوفر هو مساحة ضيقة من الخيارات، أغلبها مكلف، وأحيانًا عبثي. حينها لا يكون السؤال "ما هو القرار الأمثل؟" بل "ما هو الأقل ضررًا؟".

وقد علمتنا تجارب كثيرة أن التعامل مع الأزمة بعد وقوعها يؤدي إلى قرارات متسرعة، وعمليات إنقاذ غير مكتملة، وغياب الثقة العامة في المؤسسات. فخلال جائحة كورونا، على سبيل المثال، تأخرت بعض الحكومات في إعلان الإجراءات، فدُفعت أثمان بشرية باهظة، وتعمقت الانقسامات، وخسرت بعض الأنظمة الكثير من مصداقيتها. وفي مناطق الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل أو الفيضانات، أثبتت الوقائع أن المجتمعات الأكثر جاهزية تقل فيها الخسائر رغم قوة الكارثة.

ليست المشكلة فقط في التوقيت، بل في المنهج. فالإدارة اللاحقة للأزمة غالبًا ما تنحصر في ردّ الفعل، لا الفعل. في استيعاب الصدمة، لا منع تكرارها. في الترميم، لا التغيير. ولذلك، فإن الاقتصار على هذا النوع من الإدارة يعني أننا عالقون في دوامة الأزمات، لا نتعلم منها، ولا نتجاوزها، بل نعيد إنتاجها في صور مختلفة.

ما نحتاجه اليوم هو التحول من منطق "إدارة الأزمة بعد وقوعها" إلى "إدارة المخاطر قبل أن تتحول إلى أزمات". نحتاج إلى أنظمة إنذار مبكر، إلى دراسات جدية للسياقات، إلى تدريب مستمر للكوادر، وإلى ثقافة مؤسساتية تعتبر الاستعداد قيمة مركزية. يجب أن تصبح الحكومات، والمؤسسات، والمجتمعات، قادرة على التنبؤ والتخطيط والاستجابة، لا فقط على التبرير والارتجال.

الإدارة بعد الأزمة ليست فقط مؤشراً على ضعف الاستعداد، بل قد تكون مدخلاً لأزمات لاحقة. فكل أزمة غير مُدارة بشكل جيّد، تحمل في طياتها بذور أزمة جديدة، أكثر تعقيدًا، وأصعب احتواءً. وعليه، فإن الاستثمار الحقيقي لا يكون في أدوات الإطفاء، بل في أنظمة الوقاية. ولا في سرديات البطولة ما بعد الانهيار، بل في استراتيجيات الحيلولة دون الانهيار أصلاً.

باختصار، إدارة الأزمات بعد وقوعها ليست حلاً، بل اعترافٌ متأخرٌ بالفشل. وهي الخيار الأسوأ حين تكون البدائل الممكنة قائمة، لكنها مُهمَلة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :