facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أيها الأغنياء… من ينقذ الوطن من أوجاعه؟


أ. د. هاني الضمور
04-07-2025 11:04 AM

في الأزقة الخلفية، بين بنايات متداعية، وفي الحارات المنسية التي لا تزورها الكاميرات، هناك من يتألم بصمت، من ينام على الأرصفة، من يحلم بلقمة تسد الجوع أو فرصة تفتح له باب الحياة. في الطرف الآخر من الصورة، يلمع البذخ في مؤتمرات خمس نجوم، وتُعد الملايين على أوراق لا تعرف معنى “العوز”. هناك من يملك ما يكفي لتغيير مصير أحياء بأكملها، لكنه لا يرى، أو لا يريد أن يرى.

لماذا يغيب العمل التطوعي الحقيقي في مجتمعاتنا؟ لماذا لا نلمح أثرًا واضحًا لثروات تتكدس عامًا بعد عام، بينما الوطن يتثاءب من فرط التعب، والفقراء يزدادون، والفرص تختنق تحت ركام اللامبالاة؟ ليس من باب المبالغة القول إن العمل التطوعي أصبح اليوم ليس ترفًا ولا خيارًا جانبيًا، بل ضرورة وطنية، وواجبًا أخلاقيًا لا يحتمل التأجيل.

المؤسف أننا اختزلنا العمل التطوعي إلى طرود غذائية تُوزّع في رمضان، وصور تذكارية مع أطفال حفاة، أو مبادرات موسمية سرعان ما تذوب مع انتهاء الحدث. العمل التطوعي الحقيقي أعمق من ذلك. هو أن تضع علمك، خبرتك، وقتك، وربما مالك، في خدمة مجتمعك دون انتظار مقابل. هو أن تنزل من برجك العالي، وتستمع إلى من لم يتحدث أحد معهم منذ سنوات. هو أن تمدّ يدك لا لتتبرع فقط، بل لتُشرك، تُعطي فرصة، تُغيّر مسارًا.

تخيل لو أن كل مليونير في هذا البلد خصص ساعة واحدة شهريًا للفقراء، ساعة فقط من وقته، لا من جيبه. ماذا لو أن رجل أعمال أنشأ مركز تدريب مجاني في حيّ معدوم؟ ماذا لو أن طبيبًا تبرع بيوم من عمله لعلاج غير القادرين؟ أو أن شركة كبرى تبنّت مشروعًا لإعادة تأهيل العاطلين عن العمل؟ بل ماذا لو أن مؤثرًا على وسائل التواصل قرر أن يُسلط الضوء على مبادرات إنسانية، بدلًا من استعراض وجبة فاخرة في مطعم باذخ أو سيارة جديدة على الرصيف؟

لا نحتاج لمعجزات. نحن فقط نحتاج إلى ضمير حي. لا يمكن للتنمية أن تقوم على أكتاف الحكومات وحدها، ولا على خطط الورق والاستراتيجيات طويلة الأمد. هناك جانب لا يقل أهمية: الناس. المواطنون. القادرون. الذين يعرفون أن التغيير يبدأ حين يتحرك الفرد، لا حين ننتظر مؤسسة.

العمل التطوعي قادر على كسر دوائر الجريمة لأنه يفتح بدائل. قادر على تقليص الفقر لأنه يصنع فرصًا جديدة. قادر على إعادة الكرامة للناس، لأنهم يعودون إلى المشاركة، إلى الإنتاج، إلى الإحساس بأنهم جزء من وطن، لا مجرد عبء عليه.

إلى كل صاحب مال، أو نفوذ، أو وقت، أو تأثير… لا تقل إنك مشغول. هذا البلد الذي فتح لك أبوابًا، هذا المجتمع الذي احتضنك حتى وصلت، يحتاجك اليوم. يحتاج أن ترد الجميل لا بالكلام، بل بالفعل. أن تخرج من دائرتك، وتنظر حولك.

العمل التطوعي ليس لمن لا يملك، بل هو مسؤولية مضاعفة على من يملك أكثر مما يحتاج. قد لا يُكتب اسمك في صحيفة، وقد لا يُعرض وجهك في نشرة الأخبار، لكن صدقني، سيُكتب اسمك في قلب إنسان تغيرت حياته بسببك. سيذكرك رجل نجا من الشارع، أو طفل أكمل دراسته، أو أم استطاعت أن تطعم أبناءها لأنك كنت هناك.

نحن لا نطلب تبرعات، ولا نبحث عن صدقات موسمية تُنسى سريعًا. نحن نحلم بمجتمع يتشارك في ألمه، يتعاون في شفائه، مجتمع لا يشيح بوجهه عن فقرائه، ولا يكتفي بالمشاهدة من نوافذ السيارات الفارهة. نريد أن نرى من يملك القدرة يمد يده ليسند، لا ليصور. ليساعد، لا ليظهر.

اصنع أثرًا. لا تنتظر أن تموت لتُكتب على قبرك “كان كريمًا”. كن كريمًا وأنت حيّ. وكن أنت من يحوّل دمعة إلى بسمة، وضياعًا إلى فرصة، ويأسًا إلى بداية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :