facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




لو كنت مكان الرزاز: من السردية إلى المشروع


أ. د. هاني الضمور
06-07-2025 11:30 AM

في أمسية فكرية حضرها المهتمون بالشأن العام، أطلّ الدكتور عمر الرزاز من منبر منتدى الحموري الثقافي ليتحدث عن “ما بعد السابع من أكتوبر – تساؤلات وإشارات”. وكعادته، قدّم خطابًا عميقًا من حيث التحليل النظري، متقنًا في صياغته، واسع الأفق في قراءته للتحولات الإقليمية والدولية. لكنه، في المقابل، بدا كما لو أنه يخاطب زمناً آخر. زمناً لا يسكنه الأردني الذي يطارد وظيفة، ولا الشاب الذي يغلق نافذة الأحلام على صفحة البطالة، ولا المواطن الذي ينظر حوله فيجد أن الحكاية الكبيرة لا تمنحه رغيفًا ولا أملًا.

لو كنت مكان الدكتور الرزاز، لما اكتفيت برسم لوحة فكرية شديدة العناية بالتفاصيل الجيوسياسية، بل لكان عليّ أن أبدأ من الناس. من لغتهم، من يومهم، من احتياجاتهم. الوعي مهم، بل هو حجر الأساس لأي نهضة، ولكن لا قيمة له إن لم يكن مقترنًا بأدوات. وسردية الوعي، ما لم تتحول إلى خطة وطنية شاملة، ستظل حبيسة النخبة، تتردد في القاعات المغلقة، وتُكتب بحبر فاخر على ورق لا يصله عرق الشارع.

في حديثه عن الصراع العربي الإسرائيلي، كان الرزاز دقيقًا في الإشارة إلى أن الرواية لم تعد تُخاض بالبندقية وحدها، بل بالصورة والكلمة والتأريخ. لكن هذا الطرح، الذي بدا لافتًا من حيث العمق، تجاوزه الواقع الأردني المثقل باختلالات بنيوية في التعليم والإعلام والثقافة. لم يوضح الرزاز كيف يمكن خوض “معركة الوعي” في بلد ما تزال مناهجه التعليمية تكرّس التلقين، وما تزال مراكزه البحثية على الهامش، ومؤسساته الثقافية منهكة أو مؤدلجة. كان يمكن أن تكون مداخلته لحظة تأسيس لمشروع وطني لإعادة بناء الأدوات التي تخوض بها الدول معارك الرواية، لكنه اكتفى بالإشارة دون المضي نحو الاقتراح، وكأن الفجوة بين التشخيص والعلاج مسألة ثانوية.

على صعيد آخر، بدا لافتًا غياب القضايا الاجتماعية والاقتصادية الكبرى عن صدارة الخطاب. في زمن تتآكل فيه الطبقة الوسطى، وتتصاعد فيه مؤشرات البطالة، وتزداد فيه الهوة بين المواطن والدولة، بدا من الغريب أن تُعطى هذه القضايا حيزًا هامشيًا، مقابل الانشغال بالتحولات الكبرى على الساحة الدولية. بدا الخطاب وكأنه موجّه إلى جمهور مثقف يهوى التنظير، لا إلى مجتمع يطلب إجابات حقيقية على أسئلة القلق والمعيشة والتمثيل السياسي. الخطاب النخبوي لا عيب فيه من حيث الطرح، لكنه حين يتكرر دون مرافقة أدوات، يتحوّل إلى وهم نظري.

وحين تحدّث الرزاز عن الهوية الوطنية، بدا ملتزمًا بخط دفاع مشروع في وجه التحديات الخارجية، محذرًا من محاولات طمس الذات الوطنية أو استبدالها بهويات مشوّهة. غير أن الهوية، كما يعلم جيدًا، ليست خطابًا يُلقى من علٍ، بل مشروعًا متكاملًا يستدعي توزيعًا عادلًا للفرص، ودمجًا حقيقيًا للفئات المهمشة، وإصلاحًا سياسيًا يفتح المجال أمام تمثيل عادل وتشاركية حقيقية. لم يجب الرزاز عن سؤال محوري: كيف نُنتج هذه الهوية الجامعة في ظل قوانين انتخاب تقسم لا توحّد، وتعليم لا يعترف بالاختلاف، وإعلام يخشى التعدد؟ بل بدا وكأنه يقدّم نسخة نظيفة من الهوية، لكنها بلا خارطة طريق.

ولعل التحذير الذي أطلقه بشأن خطر انزلاق الأردن إلى نسخة معدّلة من اتفاقيات إبراهيم هو أكثر ما شدّ الانتباه. لكن التحذير، مهما بلغ من الصدق، لا يكفي إذا لم يكن مقترنًا برؤية للمواجهة. ما هي البدائل؟ ما هي أدوات الردع؟ كيف نحمي الموقف الأردني التاريخي من الانجراف في ظل الضغوط والتحولات؟ هذه الأسئلة بقيت معلقة في الهواء، كما لو أن المطلوب من الجمهور أن يقلق فقط، لا أن يشارك في صناعة الموقف.

في المجمل، قدّم الدكتور الرزاز ندوة ثرية بالأسئلة، لكنها فقيرة بالاقتراحات. بدا مفكرًا عالقًا بين الحلم والواقع، بين ما ينبغي أن يكون وما هو ممكن. وبهذا المعنى، فإن خطابه مثّل فرصة ضائعة لإعادة بناء ثقة متآكلة بين الناس والنخبة. لو كنت مكانه، لقدّمت مشروعًا متكاملاً، يبدأ من إصلاح الأدوات، ولا ينتهي عند إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع. كنت سأذهب إلى حيث الناس، وأخاطبهم بلغتهم، لا بلغة الصالونات. كنت سأطرح مبادرات لا مجرد سرديات، وخططًا لا شعارات، لأن زمن الأزمة لا يرحم اللغة العالية، ولا ينتظر النوايا الطيبة.

المعركة التي تحدث عنها الرزاز، نعم، هي معركة وعي. لكن الوعي وحده لا يصنع حياة، ولا يبني دولة، ولا يعيد الأمل. نحتاج وعيًا مسنودًا بمشروع. نحتاج منابر تنزل إلى الأرض، لا تحلّق فوقها. نحتاج من يفكر، نعم، ولكن أيضًا من يُجيد الفعل.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :