facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العلمانية: دول وتجارب


فيصل سلايطة
09-07-2025 03:54 PM

حين نتحدث عن العلمانية، فإننا لا نتحدث عن الإلحاد، ولا عن عداء للدين كما يروج البعض، بل عن منظومة قانونية وأخلاقية تهدف إلى حماية الإيمان من التسييس، وحماية الدولة من الاستغلال باسم العقيدة. إنها السور الحامي لكليهما. وفي عالمنا العربي، الذي لا يزال يتخبط بين أنظمة تستغل الدين لتثبيت سلطتها، وتجارب مرتبكة في إدارة التعدد والتنوع، تبدو العلمانية ضرورة ملحة.

أذربيجان: علمانية بعد انهيار الإمبراطورية
أذربيجان، البلد المسلم ذو الأغلبية الشيعية، ورث عن الحقبة السوفيتية نموذجًا علمانيًا صارمًا، لكنه أعاد تشكيله وفق هويته الثقافية والدينية. بعد الاستقلال عام 1991، لم تختر باكو إعادة الدين إلى قلب الدولة كما فعلت دول أخرى، بل اختارت أن تبني نظامًا يفصل المؤسسة الدينية عن السياسة، مع الحفاظ على مظاهر التدين الشعبي والحرية الفردية في المعتقد.

الدولة لا تتدخل في كيفية صلاة المواطن، ولا تفرض نمطًا دينيًا معينًا عليه، لكنها في الوقت نفسه لا تسمح بتحول الدين إلى منصة حزبية أو أداة تحريضية. في ظل هذا النموذج، نجحت أذربيجان في الحفاظ على نسيجها الاجتماعي المتنوع (بين مسلمين "غالبية" ، ومسيحيين، ويهود)، وفي جذب الاستثمارات، وتحقيق نمو اقتصادي مستقر نسبيًا في منطقة مضطربة.

فالذي يمشي في شوارع باكو يستطيع أن يرى الحانات ، المراقص ، الخمور في الشوارع ، النساء تلبس كما تشاء ، و يستطيع على الجهة المقابلة رؤية المظاهر الدينية.

التجربة العربية: إشكالية المقدّس والسياسي
في العالم العربي، ما زال التداخل بين السلطة والدين من أبرز معوقات النهضة. من جهة تستغل بعض الأنظمة الدين لتبرير القمع والاستبداد، فتصدر فتاوى مفصلة على قياس الحكومات، وتمنح رجال الدين سلطة مطلقة على المجتمع. ومن جهة أخرى، تستغل جماعات دينية الدين للوصول إلى الحكم، وتفرض رؤاها على الجميع.

في كلا الحالتين، يُستخدم الدين كأداة وليس كقيمة. وعندها لا يكون المقدّس في مأمن من التسييس، ولا الدولة في مأمن من التفكك. انظر مثلًا إلى تجارب بعض الدول التي تبنت أحزابًا دينية في السلطة، كيف سقطت سريعًا في فخ الاستقطاب، وتراجع الحريات، وتدهور الاقتصاد نتيجة لتغليب الولاء الديني على الكفاءة والمؤسسية.

الاقتصاد لا يُبنى على الفتاوى
الدولة الحديثة تقوم على التخطيط والإدارة والكفاءة، لا على فتاوى الشيوخ أو رؤى القساوسة. حين تتدخل المرجعيات الدينية في الاقتصاد، تُغلق البنوك، ويُحرَّم الادخار، ويُشيطن الابتكار، ويُحاصر الفن، وتُمنع المرأة من المشاركة في سوق العمل. كل هذا يؤدي في النهاية إلى انهيار اقتصادي، وهروب المستثمرين، وتراجع التنافسية.

بالمقابل، تفصل الدول العلمانية بين ما هو روحاني وما هو إداري. فتمنح الحرية الدينية للمواطنين، لكنها لا تسمح للدين بأن يُستخدم سيفًا سياسيًا أو اقتصاديًا. وهذا بالضبط ما تحتاجه الدول العربية التي تعاني من فساد سرطاني ، وفقر، وتضخم، وديون. إن أفضل وسيلة لاحترام الدين، هي أن نُخرجه من بازار السياسة.

العلمانية ليست ضد الدين، بل تحميه
المفارقة العميقة أن العلمانية في جوهرها أكثر احترامًا للدين من الأنظمة الدينية. ففي ظل العلمانية، لا يُفرض عليك معتقد معين، ولا يُحاسب المواطن على ضميره، ولا يُستبعد من الوظائف بسبب مذهبه. الدين في الدولة العلمانية ليس أداة حكم، بل شأن شخصي، يحميه القانون من العبث والاستغلال.

الدول التي تبنت العلمانية لم تحرم شعوبها من التدين، بل جعلت الإيمان اختيارًا حرًا، لا التزامًا سياسيًا. بل إن التجربة الغربية نفسها، حين فصلت الدين عن الدولة، لم تُنتج شعوبًا بلا روح، بل شعوبًا مؤمنة بكرامة الإنسان، ومواطنة الجميع، وحرية الضمير.

ليس المطلوب من الدول العربية نسخ النموذج الفرنسي أو التركي أو الأذري حرفيًا، بل بناء صيغة محلية تُؤمن بالتعدد، وتحمي الدين من الدولة، وتحمي الدولة من رجال الدين. صيغة تضع الاقتصاد في يد المختصين لا المتحدثين باسم الله، وتمنح المواطن الحق في الإيمان أو عدمه دون خوف.

العلمانية ليست نهاية الدين، بل بداية العدالة. إنها السبيل لإنهاء العبث باسم الإله، ولتمكين الشعوب من بناء مستقبلها بحرية وعقلانية. فهل آن الأوان لنعيد النظر، ونتحرر من الخوف المصطنع الذي يربط الدين بالاستبداد، ويخشى الحرية بحجة الحفاظ على القيم؟





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :