هاني الملقي… ابن إربد الذي خدم الأردن كله
د. حمزة الشيخ حسين
10-07-2025 10:49 AM
عندما نتحدث عن دولة هاني فوزي الملقي، فإننا لا نتحدث فقط عن رئيس وزراء سابق، بل عن رجل دولة من طراز وطني رفيع، صاغته بيئة إربد الأصيلة، وامتدت رؤيته لتشمل مصلحة الأردن بأكمله، دون تمييز بين شماله وجنوبه، أو بين مدينة وأخرى.
ولد هاني الملقي في بيت له جذوره الراسخة في وسط مدينة إربد، بيتٌ حمل تاريخًا من العمل العام والخدمة الوطنية، فوالده هو السياسي الراحل فوزي الملقي، أحد الأسماء الكبيرة التي وُضعت على أول سطر في سجل الحكومات الأردنية الحديثة، حيث كلّفه المغفور له الملك الحسين بن طلال – رحمه الله – بتشكيل أول حكومة في عهده بتاريخ 5 أيار 1952، ليكون أول رئيس وزراء في عهد الملك الحسين.
وُلِد فوزي الملقي في مدينة إربد عام 1909، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدارسها، وكان من أوائل الشخصيات التي مثّلت المدينة في العمل السياسي والدبلوماسي، حيث عمل مستشارًا اقتصاديًا لرئيس الوزراء توفيق أبو الهدى، كما شغل مناصب وزارية وبرلمانية عدة، وظل اسمه مرتبطًا بتاريخ الدولة الأردنية منذ نشأتها الأولى.
أما دولة هاني الملقي، فقد ورث هذا الانتماء، ولم يتنكر يومًا لأصوله ولا لمدينته، وكان دائم التقدير لأهالي إربد، يذكرهم في محافله، ويقف إلى جانبهم حين يستدعي الأمر. لكنه، في ذات الوقت، اختار أن يكون ابن الأردن أولًا، لا ابن منطقة فقط، وقد تجلّى ذلك حين كُلّف برئاسة الحكومة في مرحلة دقيقة من تاريخ البلاد، فوضع على عاتقه مهمة الإصلاح الاقتصادي، وتحمل تبعاتها بكل شجاعة ومسؤولية.
في عهده، تم اتخاذ قرارات مهمة، كان الهدف منها حماية استقرار الاقتصاد الأردني، رغم صعوبة الظروف، وشدة الانتقادات. إلا أن هاني الملقي لم يكن رجل مواقف شعبوية، بل رجل دولة، يضع مصلحة الأردن فوق شعبيته، ويتعامل مع الملفات المعقدة بميزان العقل لا العاطفة.
لقد عرفه الأردنيون بدماثة خلقه، وهدوئه، وابتعاده عن الأضواء إلا وقت الجد. لم يسعَ خلف مجد شخصي، بل خدم في الظل كما في الضوء، بإخلاص وانضباط، ونظافة يد.
وإذا كانت إربد تفخر بتاريخها وشخصياتها، فإن أسرة الملقي تمثل نموذجًا حيًا للانتماء الحقيقي الممتد من الجذور إلى الحاضر، فبيت فوزي وهاني الملقي لم يكن بيت وجاهة، بل بيت مسؤولية وطنية، وقدوة في الاتزان والتجرد والتفاني.
إن دولة هاني الملقي هو ابن إربد تربيةً ونسبًا وأصالة، لكنه اختار أن يكون لكل الأردن خدمةً وموقفًا وقرارًا. وفي زمنٍ تتراجع فيه القيم السياسية أمام الشعارات، يظلّ اسم هاني الملقي حاضرًا كرمزٍ للهدوء المسؤول، والانتماء العاقل، والرؤية التي تتجاوز حدود المدينة إلى أفق الدولة.