الجنوب .. مكياج إداري وواقع جامعي مؤلم
بهاء الدين المعايطة
10-07-2025 06:53 PM
في عمق الجنوب، حيث يُفترض أن تكون الجامعات منارات تنموية تسند المجتمعات وتنهض بها، تواجه إحدى الجامعات الحكومية واقعًا ماليًا وإداريًا مأزومًا، تجاوزت فيه المديونية ملايين الدنانير. بنية تحتية متهالكة، ومرافق أكاديمية وخدمية تفتقر لأبسط مقومات الجودة، بينما تستمر إدارة الجامعة في تغليف هذا المشهد المؤلم بعدسات الكاميرات، لتخرج بصورة زاهية لا تمتّ للحقيقة بصلة.
أصبحت بعض الجامعات اليوم تركض خلف التصنيفات العالمية، وكأنها غاية بذاتها، متجاهلة أن التصنيف الحقيقي يبدأ من الداخل: من القاعات التي تليق بطلبة علم، من مختبرات مجهزة، من بيئة تعليمية نظيفة ومنظمة، ومن منظومة تحترم الإنسان والعقل. لكن الواقع، في هذه الجامعة الجنوبية، لا يزال محاصرًا بمحاولات تجميل سطحية تُخفي خللًا بنيويًا عميقًا.
جامعة أوشكت على دخول عقدها الخامس، ولا تزال عاجزة عن توفير مرافق صحية لائقة أو مختبرات حاسوب متقدمة، رغم التبرعات. قاعات التدريس تبدو مهجورة، تشكو الإهمال، وكأن الزمن توقف فيها. هذا ليس مشهدًا من الماضي، بل هو الواقع اليومي لمؤسسة يُفترض أن تكون حاضنة للعلم وأداة للنهوض بالمجتمع المحلي.
كل ذلك يدفعنا للتساؤل: أين ذهبت تلك الأموال؟ ماذا تحقق في أربعين عامًا؟ لا تطور ملموس، لا تغيير فعلي، سوى ازدياد عدد المبتعثين إلى جامعات أجنبية، على نفقة مؤسسة بالكاد تؤمّن رواتب موظفيها.
هل عجز الأردن، وخاصة الجنوب، عن إنتاج كفاءات أكاديمية؟ في منطقة يزخر شبابها بحَمَلة الشهادات العليا، نجدهم ينتظرون فرصًا بسيطة، لأن "الواسطة" ما زالت أقوى من الكفاءة، والعدالة غائبة عن قرارات التوظيف.
والمؤلم أن الأزمة لا تقتصر على الموارد والمرافق، بل تمتد إلى مضمون التعليم نفسه. مؤخرًا، صدمتني مشاركة لأحد أعضاء الهيئة التدريسية، امتلأت بالأخطاء اللغوية، رغم أنه يرأس قسمًا علميًا ويحمل دكتوراه من جامعة بريطانية. وهذا ليس خللًا فرديًا، بل مرآة لهدر علمي وفشل إداري مؤسسي.
نحن لا نبحث عن "إنجازات مصوّرة"، بل عن واقع يرتقي بالطالب والمجتمع. نريد جامعة تمثل الجنوب بكرامته وعلمه وطموحه. لم تعد المؤتمرات الشكلية ولا الرعايات الصورية تصنع مجدًا، بل تُستخدم كستار لتغطية الفشل، وتسويقه على أنه نجاح.
وقد تُخدع العيون بصورةٍ تلتقطها الكاميرات، لكن الحقيقة لا تُخفى، والواقع لا يرحم. فهذا المكياج الإداري الذي يُجمّل الخلل اليوم، لن يصمد طويلًا أمام ضغط الظروف، وسندفع جميعًا ثمنه إن لم يبدأ التصحيح فورًا.
فلنقتدِ بسيد البلاد، جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله ورعاه، في حكمته ورؤيته السديدة، وحرصه الدائم على رفعة الوطن وخدمة أبنائه.
حفظ الله الوطن، وحفظ قائد الوطن، جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، رمز الوحدة والعزة، وسفير السلام والكرامة. نسأل الله أن يديم على وطننا الأمن والاستقرار، وأن يوفّق قيادتنا الحكيمة لما فيه خير الأردن وأبنائه.