facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




النزاهة البحثية على المحك: الفرق بين إدارة الأزمة وتصديرها


أ. د. هاني الضمور
11-07-2025 02:31 PM

في الأيام الأخيرة، فجّر تصريح وزير التعليم العالي الأردني حول تراجع الجامعات في “مؤشر النزاهة البحثية” جدلاً واسعًا في الأوساط الأكاديمية. ورغم ما حواه التصريح من إقرار ضمني بالمشكلة، إلا أن نبرة الاتهام الموجّهة للجامعات طغت على أي محاولة لتفسير أعمق أو مساءلة شاملة، الأمر الذي يعيد طرح السؤال الجوهري: كيف تتعامل الدول الراشدة مع الأزمات حين تمس منظومتها التعليمية؟

الفرق بيننا وبين تلك الدول لا يكمن في حجم المشكلة، بل في منهجية تحمّل المسؤولية. فحين تقع المؤسسات في أزمة نزاهة أو تراجع أكاديمي في دول مثل فنلندا أو كندا أو ألمانيا، لا يُهرع القائد الإداري الأول إلى المنابر الإعلامية لتوجيه اللوم، بل يبدأ بتقييم نفسه أولاً، ثم سياساته، وآليات الرقابة التي وضعها.

في تلك البيئات، لا تُدار الأزمات بالتصريحات، بل بالتحقيق والمساءلة. القائد الإداري لا يبحث عمن يُحمّله الخطأ، بل يبدأ من عند نفسه، لأن الثقافة القيادية هناك تقوم على الشرف وتحمل المسؤولية، لا على التبرير وإسقاط اللوم. وهذا ما يُميز الدول التي تحترم مؤسساتها عن تلك التي تُحمّل الفشل لمن هم في القاعدة، بينما تُحصّن من هم في القمة.

وفي دول تحترم منظومتها الأكاديمية، تُعتبر الجامعات مؤسسات مستقلة ذات رسالة مجتمعية لا تُقاس فقط بمؤشرات التصنيف، بل بأثرها العلمي والثقافي، وتُخضع للمساءلة المهنية عبر لجان تقييم مستقلة لا تخضع للضغوط السياسية أو الإعلامية.

أما في واقعنا، فغالبًا ما يُختزل الفشل في أطراف بعينها، وتُوجَّه الاتهامات على عجل، دون طرح السؤال الحقيقي: ماذا قدمت السياسات الرسمية لحماية النزاهة البحثية؟ وهل تم تمكين الجامعات فعلاً أم تقييدها بأنظمة تمثيلية شكلية؟

المشكلة ليست في الجامعات فقط، بل في السياق الذي حُشرت فيه: تمويل ناقص، استقلالية مُقيّدة، هوس بالتصنيفات دون رؤية نوعية. ومع ذلك، حين تظهر أزمة، نلجأ للأسلوب الأسهل: نُحمّل من هم في الصفوف الأمامية المسؤولية، ونتجنب مراجعة من صاغ السياسات ووجه التمويل.

وفي هذا السياق، يحضرني قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
“حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أنفسكم قبل أن توزنوا.”
وهو قول ينطبق على الأفراد كما ينطبق على القادة الإداريين وصنّاع القرار.

لقد آن الأوان أن ننتقل من ثقافة تصدير الأزمة إلى ثقافة إدارة الأزمة، ومن منطق “ابحث عن كبش فداء” إلى منطق “ابدأ من عند نفسك”. فلو أن ما حدث في مؤشر النزاهة حدث في دولة تؤمن بالمساءلة الحقيقية، لبدأت المراجعة من رأس الهرم، حيث يُصاغ القرار الإداري، لا من القاعدة.

إن الجامعات الأردنية – رغم الصعوبات – ما زالت قادرة على العطاء، بشرط أن تجد من يؤمن بها، لا من يُحمّلها وحدها أوزار منظومة بأكملها. الإصلاح يبدأ حين نعترف بمسؤوليتنا، لا حين نُصدّر الخطأ. فـإلقاء اللوم ليس اعترافًا بالمشكلة، بل هروب منها وتنصّل من المسؤولية تحت غطاء الإسقاط.

وفي النهاية،
“في ثقافة تُقدّس الشرف، يتحمّل القائد الإداري وزر فشله. أما في ثقافة التبرير، يُمنح الفاشل منصبًا جديدًا.”
وأي طريق سنسلك… خيارنا نحن.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :