facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الانجيل من وجهة نظر قرآنية


فيصل سلايطة
11-07-2025 04:32 PM

متى ما حدث سجال أو نقاش ديني ، غالبا ما الجأ نحو المصدر الرئيسي في كل دين ، لا التفت مطلقا لاجتهادات العامة من الناس ، لمن فسّر بعد نزول الآية أو الاصحاح في كل من التوارة و الانجيل و القرآن بعد مئات السنين ، ففي كل مرة أعود للمصدر الرئيسي اعلم يقينا الهوّة بين كلام السماء و كلام الأرض.

في قلب سورة المائدة، وتحديدًا في الآيتين 46 و47، يفتح القرآن الكريم نافذة مشرقة على الإنجيل، لا باعتباره كتابًا دخيلًا، بل كجزء أصيل من الوحي الإلهي المتدرج في التاريخ :

> ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًۭا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَىٰةِ ۖ وَءَاتَيْنَـٰهُ ٱلْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًۭى وَنُورٌۭ وَمُصَدِّقًۭا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَىٰةِ وَهُدًۭى وَمَوْعِظَةًۭ لِّلْمُتَّقِينَ﴾
(المائدة: 46)

في هذه الآية، لا يُعامَل الإنجيل على أنه نصّ باهت ضلّ عن جادّة النور، بل يُقدَّم بوصفه امتدادًا للوحي، حاملًا للهداية والنور، ومؤيدًا لما سبقه من التوراة. إنّه إنجيل الروح، لا الورق، كتاب الموعظة للمتقين، لا لأصحاب السجال الديني.

وفي الآية التي تليها، يخاطب الله أهل الإنجيل أنفسهم:

> ﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلْإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ﴾
(المائدة: 47)

هنا تتجلى دعوة قرآنية واضحة إلى أهل الإنجيل: أن يكونوا أوفياء لما أنزل الله، أن يحكموا بالحق، أن يُنصتوا إلى الوحي لا إلى السلطة، إلى الكلمة لا إلى المذهب. ليست الدعوة هنا عدائية أو إقصائية، بل هي تحميل للمسؤولية، تذكير بأن أصل الإنجيل إلهي، وأنه لا يجوز تهميشه أو استخدامه بما يخالف غايته النورانية.

لكن، هل التزم الجمهور بهذه الرؤية القرآنية؟ هل تعاملوا مع الإنجيل ككلمة من نور، أم حوّلوه إلى حجة للخصومة؟

في القرون الأولى للإسلام، كانت العلاقة بين المسلمين والمسيحيين تقوم على معرفة دقيقة ومحاورة لاهوتية، فيها احترام وتحدٍّ حضاري. لم يكن الإنجيل خصمًا بل نصًا يُقارن ويُناقش، لا يُسخر منه. المسيحي لم يكن "آخرًا" مرذولًا، بل كان "أهل كتاب" له ما له وعليه ما عليه. وكان التعايش ممكنًا، بل واقعًا في بغداد و الشام ، حيث ترجم المسيحيون الكتب اليونانية، وكانوا أطباء الخلفاء ومهندسيهم وفلاسفتهم.

لكن حين طغت السياسة على الدين، وابتلعت السلطة الحكمة، تحوّلت العلاقة إلى تصنيف وهجوم وسوء ظن. فكما استُخدم الدين المسيحي لتبرير الحملات الصليبية، استُخدم الإسلام لرفض الآخر وشيطنته.

تاه الإنجيل بين الأدلجة، وتبدّلت نظرة المسلمين إليه من "فيه هدى ونور" إلى "كتاب محرّف لا يُقرأ"، رغم أن القرآن لم يقل يومًا إن الإنجيل الذي أنزله الله باطل، بل تحدّث عن التحريف في أيدي بعض الكهنة، لا عن إلغاء الوحي نفسه.

اليوم، في عالم تتسارع فيه الكراهية بغطاء ديني، تعود الحاجة إلى قراءة قرآنية حقيقية، إنسانية، منفتحة. القرآن لم يطلب من المسلمين أن يُبغضوا المسيحيين، بل قال:

> ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةًۭ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَـٰرَىٰۖ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًۭا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾
(المائدة: 82)

الإنجيل من وجهة نظر قرآنية ليس مجرّد كتاب في رفّ الذكرى، بل هو شاهد على وحدة الأصل، على أن الله أنزل الحكمة في أشكال متعددة، لكن الهدف واحد: التقوى والرحمة. والقرآن لم يُلغِ الإنجيل، بل صدّقه، كما صدّق التوراة. والتصديق هنا ليس تكرارًا، بل استكمال.

في زمن التصدّع الطائفي، علينا أن نعود إلى هذا الأفق القرآني لا إلى اجتهادات الافراد : أفق يُبجّل الوحي حيثما نزل، ويدعو كل أهل كتاب أن يتحملوا مسؤولية الإيمان، لا أن يتراشقوا بالاتهامات. فالحقيقة، كما يعلمها المؤمن، لا تتجزأ، والنور، إن صدق مصدره، يضيء للجميع.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :