المسؤول بين إدارة الأزمة وتغذيتها: قراءة في الموقف التربوي
لانا ارناؤوط
12-07-2025 03:06 PM
ليست الأزمة حدثًا مفاجئًا فقط، بل هي امتحان حقيقي لمدى نضج العقل القيادي، واتزان صانع القرار، خاصة حين تكون الأزمة متصلة بقطاع يمس حياة الناس اليومية، كالتعليم. في مثل هذه اللحظات الحرجة، يظهر الفرق بين من يدير الأزمة بعقل بارد وضمير حي، وبين من يؤججها دون وعي أو إدراك لتداعيات كلماته.
المسؤول، أيًا كان موقعه، ليس مجرد موقع وظيفي أو منصب بروتوكولي. هو نقطة ارتكاز ما بين الناس والقرار، وما بين الفوضى والنظام. وحين يفتقر هذا المسؤول إلى أدوات الإدارة السليمة، أو يتحدث دون اتزان، فإنه لا يزيد الطين إلا بلة، ولا يترك خلفه إلا مزيدًا من الشك والاحتقان.
في الأزمات، يكون للكلمة وقع الرصاص، وأحيانًا تكون أكثر خطرًا. لذا فإن أول ما ينبغي أن يتحلى به المسؤول هو الاتزان اللفظي، ذلك الذي لا يُولد إلا من مزيجٍ ناضج من المعرفة، والمهنية، والإحساس بالمسؤولية. فأن يتحدث المسؤول إلى جمهورٍ قَلِق، أو قطاع مضطرب، عليه أن يفعل ذلك بحكمة العارف، لا بحماسة المرتجل.
وإذا ما نظرنا إلى القطاع التربوي، فإن حاجته إلى هذا النوع من القيادة الواعية تتضاعف. لأنه لا يمس فقط ميزانية الدولة أو خططها، بل يمس أعماق المجتمع، ويمتد إلى كل بيت، وكل أسرة، وكل مستقبل. كل تصريح غير محسوب، كل قرار انفعالي، لا يسقط فقط على الطلبة والمعلمين، بل يتغلغل في نسيج المجتمع ويؤسس لمشاعر القلق، وفقدان الثقة، وربما العنف الرمزي تجاه المؤسسة التعليمية.
إن التعليم ليس مجرد عملية نقل معرفة أو تدريب على المهارات، بل هو البنية التحتية الأعمق لأي مشروع نهضوي وطني. هو الجذر الذي تنمو منه قيم المواطنة، والوعي، والانتماء، وهو الحاضنة التي تُبنى فيها العقول القادرة على التفكير لا التلقين، على النقد لا التبعية لذلك، فإن أي اضطراب في هذا القطاع لا يعني فقط تأخرًا أكاديميًا، بل هو تهديد مباشر لمستقبل التنمية والاستقرار في الدولة. حين نهمل التعليم، فإننا نهيئ بيئة خصبة للأزمات القادمة، وحين نستثمر فيه بصدق، فإننا نحصن المجتمع من الداخل.
لقد أثبتت التجارب أن كثيرًا من الأزمات في التعليم لا تنفجر بسبب نقص الموارد أو تعقيد الواقع، بل لأن من يتصدر المشهد لا يمتلك أدوات الإدارة الفعلية، ولا يمتلك حسًا لغويًا يتناسب مع سخونة اللحظة، أو مشاعر جمهور التعليم الذي يضم ملايين الطلبة والأهالي والمعلمين.
إن القيادة التربوية، خاصة في وقت الأزمات، يجب أن تتحول من كونها مجرد رد فعل إلى فعل واعٍ مبني على قراءة الواقع، واستشراف المستقبل، واحترام عقل وكرامة الناس. فالمعلمون والطلبة ليسوا قطعًا على رقعة شطرنج. إنهم بشر، يحتاجون إلى من يراهم، ويفهمهم، ويقودهم إلى مخرج آمن.
وفي النهاية، فإن الدول تُقاس بمستوى تعليمها، وبمدى احترافية من يدير هذا الملف الحساس. فكل إصلاح اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي يبدأ وينتهي في المدرسة. وإذا لم يكن من يتحدث باسم التعليم على قدر هذه الرسالة، فإن الوطن كله سيدفع الثمن.