(.. تُحاوِل أن تجدَ معنى لكلمة "صداقة " .. وكلما اعتقدتَ أنّكَ إهتديت اليه, يخرج لك صديق, ليهدم ما بنيته .. تنتابك الشكوك, ثُمَّ تتحوّل الى يقين ؛ أنّ لا صداقة نظيفة, في هذا الزمن اللّعين.. بعدما طغت المصالح على أخلاق من ندعوهم " أصدقاء" ..)!
يُحكى أن رجُلاً خرج للصيد برفقة صديق ٍله .. وكان للرجل كلب, تربى عنده منذ صغره , وكان عطوفا ًعليه ودائم الإهتمام به .. واتفق الرجلان للقيام برحلة بعيدة , وحين أوشكا على الإنطلاق, وإذ بالكلب يتبع صاحبه, لكن الرجل صاح َ به ليبعده عنه, ورماه بحجر .. فما كان من الكلب إلاّ أن ولّى الادبار..
ظنّ الرجل أن كلبه عاد إلى البيت .. إلا أن الكلب ظل َّ يتتبع آثار أقدام الخيل عن بُعد, ويسير في أثرها , دون أن يلحظه الرجلان . وبينما كان صاحب الكلب يتتبع فريسته بعيدا ً عن صديقه وإذ بجماعة من اللصوص ترقُبه من بعيد ,وتختبىء خلف شجيرات .. بإنتظار أن تفرُغ منه طلقاته لينقضوا عليه ... وهذا ما حدث فعلاً , وحاول الرجل ان يدافع عن نفسه لكنه فشل, وبدأ يستغيث بصديقه .. لكن الأخير, فرَّ بعيداً وترك صاحبه يلاقي مصيره ..
وقام اللصوص بنهب بندقية الرجل وما بحوزته من مال , وسرقوا فرسه .. وأتوا به إلى حفرة, ودفنوه , معتقدين أنهم قتلوه ..
وبعد أن هرب "الصديق".. لم يجد الرجل غيرالكلب صديق له ..
الذي تتبع أثره ووصل إلى المكان الذي دُفن فيه .. فأخذ ينبش التراب ليخرجه منه .. وشاءت الأقدار أن مرّت قافلة قرب المكان وشاهدوا الكلب وهو يحفر, فاستغربوا الأمر, ليجدوا الرجل وينتشلوه من تحت الأرض .. وبقي الكلب الوفي ملاصقاً لصاحبه, يزيل عنه التراب حتى عاد للحياة .. فنهض الرجل وقال : " كلبٌ صديق .. خيرٌ من صديقٍ كلب " ؟!
كم من" الأصدقاء " لا تنطبق عليهم هذه الصفة .. وكم هم كثيروا العدد .. لكنك حين تحتاجهم, يدفنون رؤوسهم في التراب, كما يفعل كلبٌ أجرَب ... و تتذكر قول الشاعر فيهم : " وما أكثر الأصدقاء حين تعدهم.. لكنهم في النائباتِ قليلُ " .
هذا هو الكلب, وذاك هو وفاؤه , وذلكم هم الأصدقاء ليسوا بوفاء كلب !! .. فهل نصدق وفاء الكلب ,أم نعتمد على صديق لا يعرف الوفاء ؟!.
ليت الصديق يكون بوفاء كلب, وليت الكلب الصديق يعرف أنّ الصداقة لا نباح فيها أو عواء .. وليت الدنيا تكشف أسارير إنسان عضّه كلبٌ "صديق " ... عند " جهات" ترفع واطٍ , وتُنْزِلُ صاحب وفاء وولاء الى أسفلِ سافلين ..
ما أصعب الوطن حين يتنكّر لأصدقائه .. وما أقسى على قلبِ وفيٍّ, ضحّى بما لديه ... من أجل رِفْعةِ وطن ..
** لعلّي إهتديت أخيراً الى المعنى .. " فالكلبُ الصديق .. خيرٌ من الصديق الكلب ..!
jamal-gammaz@hotmail.com