الهوية الوطنية الأردنية لا تحتمل الجدل
د. مثقال القرالة
15-07-2025 08:17 PM
بعد أكثر من قرن من التأسيس، وبعد تراكم تاريخي وسياسي واجتماعي طويل، لا يزال بيننا من يعيد فتح سؤال الهوية في الأردن: هل هي مجموع هويات فرعية؟ أم توحيد لتنوعات اجتماعية وثقافية؟ أم هي كما يزعم بعضهم، مجرد تركيبة فسيفسائية مبعثرة لا رابط بينها ولا أساس لها؟. مثل هذه الطروحات، التي تظهر من حين لآخر، ليست مجرد اجتهادات فكرية، بل قد تكون بقصد أو بدونه ضرباً من محاولات التشويش على هوية وطنية راسخة، تشكّلت بإرادة واعية، وبقيادة هاشمية حكيمة، وبجهود شعب صادق في انتمائه، مؤمن بمصيره، ملتفّ حول قيادته ووطنه.
الهوية الأردنية ليست في طور التشكل، ولا هي فكرة خاضعة للمساومة أو الجدل. إنها حقيقة سياسية وثقافية واجتماعية، نبتت من أرض الأردن، وتعمّدت بتضحيات رجاله ونسائه، وشُيّدت على يد الهاشميين منذ اللحظة الأولى، حين اختاروا هذا التراب ليكون مهد مشروع النهضة العربية، ومنارة للدولة الوطنية الحديثة.
منذ أن تولّى الهاشميون مسؤوليتهم التاريخية في هذا البلد، حرصوا على أن تكون الهوية الوطنية الأردنية هوية جامعة لا مفرّقة، راسخة لا عائمة، واضحة لا غامضة. لقد أدركوا، ببصيرتهم العميقة، أن لا دولة بلا هوية، ولا استقرار بلا انتماء صادق، ولا مستقبل بلا ماضٍ مشرّف وواضح المعالم. واليوم، يكمل جلالة الملك عبدالله الثاني هذا النهج الراسخ، لا كرمز سياسي فقط، بل كصمّام أمان للهوية الوطنية الأردنية، وكقائد يواجه تحديات العصر بإيمان ثابت بأن الأردن بهويته الواحدة سيبقى قوياً، وبأن الانتماء لهذا الوطن لا يُجزأ ولا يُعاد تعريفه في كل مرحلة، بل يُصان ويُرسخ ويتطور ضمن ثوابته الوطنية الراسخة.
جلالة الملك، في كل خطاباته ومواقفه، يضع الهوية الوطنية في مقدمة أولوياته: هوية تستوعب التنوع لكنها لا تسمح بالتشظي، هوية تحترم الجميع لكنها لا تقبل العبث أو المساس بجوهرها. هوية نابعة من الإرث الهاشمي، متجذّرة في قيم الثورة العربية الكبرى، وممتدة في وجدان الأردنيين الذين وحدهم الانتماء، ورفعتهم الكرامة، وجمعهم المصير الواحد. إن محاولات إعادة تعريف الهوية الأردنية اليوم، أو اللعب بخيوطها الدقيقة، ليست سوى تهديد ضمني للوحدة والاستقرار. فمن يروّج بأن الأردن بلا هوية واضحة، أو يحاول أن يطرحها كفسيفساء مبعثرة، إنما يتجاهل عمداً تاريخاً من البناء، وجهوداً من التوحيد، ورؤية وطنية وهاشمية حافظت على البلاد وسط كل العواصف التي اجتاحت المنطقة.
الهوية الأردنية، كما نحترم مثيلاتها من الهويات الوطنية للأشقاء في فلسطين وسوريا والعراق ومصر وغيرها، هي هوية مستقلة، متميزة، ذات خصائص فريدة، لكنها في الوقت نفسه ترتبط بعمقها العربي الأصيل، وتتقاطع مع محيطها في الروابط القومية والثقافية والإنسانية. هذه الهوية ليست سداً في وجه التنوع، بل هي الإطار الذي يضم الجميع، والمرجعية التي لا يُسمح لأحد أن يخرج عنها أو ينقضها أو يشكك بها. ومن شاء أن يسهم في تعزيزها، فذلك واجب وطني. ومن أراد أن يفرّغها من مضمونها أو يفتتها، فليعلم أنه لا يعبث بمفهوم نظري، بل يعبث بجدار الوطن نفسه.
الهوية الوطنية الأردنية محسومة، راسخة، موحّدة... خطّتها دماء الشهداء، وعزيمة الآباء، وحكمة الهاشميين، وثبات جلالة الملك عبدالله الثاني... ولا مجال لمساومتها.