facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التعليم العالي الأردني .. لأن الإنسان أغلى ما نملك


أ. د. هاني الضمور
18-07-2025 02:32 PM

حين نعيد التأمل في العبارة الخالدة التي قالها الراحل الكبير، الملك الحسين بن طلال طيّب الله ثراه: “الإنسان أغلى ما نملك”، ندرك أنها لم تكن مجرد شعار مرحلي، ولا جملة عاطفية تصلح لافتتاحية خطاب، بل كانت تلخيصًا عميقًا لفلسفة بناء الدولة الأردنية الحديثة. دولة اعتمدت على الإنسان قبل الحجر، وعلى العقل قبل الموارد، وعلى المعرفة قبل أي ثروة أخرى.

ولأن الإنسان هو الأغلى، كان التعليم – وبالأخص التعليم العالي – هو الجسر الذي تعبر به الأوطان إلى المستقبل. من هنا، لا يمكن التعامل مع التعليم العالي على أنه قطاع إداري تقليدي، أو عبء على الموازنة العامة، بل يجب أن يُنظر إليه بوصفه استثمارًا وطنيًا في رأس المال البشري، وأداة استراتيجية لضمان الاستقرار والتنمية والسيادة المعرفية.

لقد نجح الأردن، منذ تأسيسه، في بناء منظومة جامعية تُعد من بين الأسبق والأكثر احترامًا في الإقليم. جامعاتنا خرّجت الآلاف من الشباب الذين انتشروا في العالم العربي والغربي، واحتلوا مواقع علمية ومهنية متقدمة، ورفعوا اسم الأردن حيثما حلّوا. كانت الجامعات الأردنية مرآة لطموح الدولة، ومنارةً لطبقة واسعة من الشباب الذين لم يكن لهم من وسيلة للارتقاء سوى التعليم.

لكن التعليم العالي – كغيره من القطاعات – لم يسلم من التحديات والتراكمات. بعضها موروث، وبعضها طارئ، وبعضها نتيجة لتحولات عالمية فرضت إيقاعًا جديدًا لم يكن من السهل التكيّف معه بسرعة. ومع ذلك، فإن القطاع لم يفقد قدرته على العطاء، ولم تتراجع تمامًا مكانته، بل ما يزال يحتفظ بجذوة الأمل، وبفرص حقيقية للنهوض، إذا ما أُدير بعقلانية، ووفق رؤية إصلاحية مستندة إلى شراكة وطنية.

إن ما يميز التعليم العالي في الأردن ليس فقط تاريخه، ولا عدد الجامعات أو الخريجين، بل مرونته وقابليته للتطور إذا ما توافرت له البيئة المناسبة. فالمشكلة ليست في المؤسسة، بل في السياسات التي تُحاصرها أحيانًا، وفي غياب التقييم الحقيقي للأداء، وفي التسرع أحيانًا في إطلاق الأحكام قبل إعطاء الوقت والمساحة للتطور المؤسسي الطبيعي.

نحتاج اليوم إلى خطاب وطني جديد، لا يتعامل مع الجامعة كمجرد رقم في موازنة الدولة، بل كمحرك تنموي رئيس، وكأداة إنتاج للمعرفة وحاضنة للكفاءات. هذا الخطاب يجب أن يُبنى على الثقة، لا على الشك، وعلى التشجيع، لا على التخويف، وعلى التقييم العلمي، لا على الانطباع الإعلامي.

وفي ضوء مقولة الحسين – الإنسان أغلى ما نملك – فإن ما يُصرف على الجامعات، وما يُستثمر فيها من وقت وجهد، لا يجب أن يُنظر إليه ككلفة، بل كركيزة من ركائز الأمن الوطني. فالإنسان المتعلم، هو الأقدر على التمييز، وهو الأقدر على الإبداع، وهو الأكثر صلابة في وجه التحديات، وهو صمام الأمان في زمن الأزمات والتحولات.

إن الإصلاح الحقيقي لا يبدأ بالتهشيم أو الهدم، بل يبدأ بإعادة بناء الثقة داخل المؤسسة التعليمية، وبينها وبين المجتمع. الإصلاح يبدأ حين يشعر الطالب أن جامعته تحترمه، وحين يشعر عضو هيئة التدريس أن جهده مقدَّر، وحين تتعامل الدولة مع الجامعة كشريك لا كمتهم. ومن دون هذه المعادلة، سنظل نراوح في مكاننا، أو نتراجع.

إن الحاجة اليوم ليست فقط إلى مراجعة أكاديمية داخل الجامعات، بل إلى رؤية وطنية متكاملة تعيد تعريف موقع التعليم العالي في الدولة. رؤية تشارك فيها الحكومة، ومجالس الأمناء، والهيئات الرقابية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، ليكون التعليم مشروع دولة لا مهمة وزارة فقط.

إننا لا نكتب دفاعًا عن أخطاء، ولا تجميلًا للواقع، بل نكتب من إيمان بأن ما لدينا يستحق أن نُحسّنه لا أن نحطّمه. فجامعاتنا، مهما اعتراها من ضعف، ما زالت تمتلك الأمل، والموارد البشرية، والعقول المضيئة التي تنتظر الفرصة، لا المعاقبة.

وإذا كنا نريد فعلًا أن نترجم وصية الحسين، وأن نُكرّم الإنسان الأردني، فليكن التعليم العالي في مقدمة أولوياتنا. لا شعارًا نردّده، بل سياسة نُطبّقها، ومسؤولية نتحملها، وورشة دائمة من الإصلاح المتدرّج العميق.

فالإنسان أغلى ما نملك… والتعليم العالي هو الطريق الأصدق لصناعة هذا الإنسان.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :