في زحمة الأخبار المتكررة وصراخ القنوات المعلّبة، يصرّ البعض على كسر القالب، والذهاب إلى ما هو أعمق من العناوين السطحية. إنها نظرية “الخروج عن المألوف الإعلامي”، حين نصوّب العدسة نحو القضايا المغيّبة عمدًا، أو المسكوت عنها، رغم أنها تمسّ الأمن القومي وتستدعي تدخلًا برلمانيًا وسياسيًا عاجلًا.

وها نحن أمام مشهد مأساوي يتمدد بصمت على خاصرة الأردن الجغرافية والأمنية: السويداء، المدينة السورية الحدودية، تغرق في فوضى أهلية بين مجموعات مسلحة من الدروز والبدو، وسط غياب شبه تام للدولة السورية التي فقدت السيطرة وسحبت قواتها، تاركة المشهد للعصابات والتدخلات الخارجية.

في الأفق، طائرات إسرائيلية تحلّق على مدار الساعة، تراقب الجنوب السوري بكل تفاصيله، لتفرض واقعًا ميدانيًا غير مسبوق، وكأنها القوة العظمى الوحيدة في الجوار، بينما الجيوش العربية منشغلة بالشجب والدعاء.

مجلس النواب الأردني أمام مسؤولية مباشرة، فقد بات لزامًا عليه أن يطالب بعقد جلسة عاجلة للحكومة لمناقشة آليات التدخل العاجل، سواء سلميًا أو عسكريًا، لحماية العمق الاستراتيجي الأردني، تمامًا كما تفعل إسرائيل حين تؤمّن حدودها الجنوبية مع سورية.

تغيب عن المشهد الأسئلة النيابية، وتغيب الدعوة إلى طرح الثقة بالحكومة رغم أن الأداء الحكومي في التعامل مع هذه التطورات لا يبعث على الاطمئنان، ولا يلبي طموح الأردنيين في الحفاظ على أمنهم وحدودهم.

لقد تحوّلت محافظة درعا إلى مجرد حاجز رملي هش بين الأردن وسورية، بينما إسرائيل تتجاوز هذا الحاجز وتتغلغل نحو السويداء، لتفرض فيها مراقبة دائمة وحضورًا استخباريًا لا يردعه أحد من العرب أو من القوى الإقليمية.

كل ذلك يجري في ظل صمت عربي وغياب ردود حاسمة، فالوضع برمّته يعكس تراجعًا مخيفًا في الإرادة السياسية الجماعية، ويدفع الشعب الأردني إلى التساؤل عن دور نخبه السياسية، لا سيما مجلس النواب، الذي بدا خارج المشهد.

إن السكوت عمّا يحدث في السويداء، المدينة التي ترتبط بالأردن جغرافيًا وإنسانيًا، يعني القبول الضمني بانهيار الأمن الإقليمي، وترك المنطقة مفتوحة على احتمالات أكثر دموية وخطورة، في ظل تصاعد النزاعات الداخلية وازدياد التدخلات الأجنبية.

السويداء ليست مجرد مدينة سورية منكوبة، بل هي امتداد استراتيجي مباشر للأردن، وإن بقي المشهد على حاله، فذلك لا يدل إلا على غياب موقف نيابي حقيقي يعيد الاعتبار للدور الوطني لمجلس النواب.

الشعوب لا تحترم البرلمانات الصامتة، ولا تعوّل على سلطات تشريعية لا تهزّ الطاولة عند الحاجة.

آن الأوان أن يتحرك المجلس ويعيد رسم دوره، قبل أن تتجاوز الأحداث حدود الجغرافيا والسيادة وتطال الداخل الأردني.