في قلب إربد القديمة .. رجال يجمعهم الحنين والوفاء
د. حمزة الشيخ حسين
22-07-2025 08:38 AM
في زحام الحياة وتقلّب الأزمنة، تبقى المدن الوفية شاهدة على من حفظوا الود، وصانوا الذاكرة، وأبَوا أن يتركوا التاريخ يُطوى دون دفء، ودون أسماء تُقال على محبة. وفي قلب إربد القديمة، حيث الأحياء تهمس بقصص الطيبين، وحيث الأزقة لا تزال تحفظ وقع خطوات الكبار، نشأت مبادرة من نوع مختلف… مبادرة وفاء وحنين.
مجموعة من رجالات وسط مدينة إربد، أبناء البيوت العريقة، اجتمعوا لا ليدّعوا تمثيلًا ولا ليتحدثوا باسم أحد، بل ليوصلوا رسالة نابعة من القلب: أن المحبة القديمة ما زالت حيّة، وأن صداقات الآباء والأجداد ما زال صداها في القلوب، لا يبهت مهما تبدّلت الأجيال.
هي مجموعة أصدقاء، تكوّنت بروح طوعية خالصة، دون تفويض من عشائرهم، ودون أي صبغة تمثيلية. اجتمعوا على أرضية الوفاء لإربد، وعلى مشترك إنساني واجتماعي لا يُقاس بالمناصب، بل بالأصالة التي زرعها الآباء والأجداد يومًا في قلوب الأبناء.
تضمّ المجموعة شخصيات محترمة من عائلات وسط إربد العريقة: التل، أرشيدات، الحجازي، عبندة، الدلقموني، الشرايري، خريس، الحتاملة، أبو سالم، سكران، الشيخ حسين، كريزم، صبح، شبار، أبو سليم، شوتر، الجمل، الرجّال، أبو دولة، جمعة، الجيزاوي، حداد، الحيلواني، الشواهين، وغيرهم من الأسماء التي لا تحتاج إلى تعريف في مدينة كانت دائمًا عنوانًا للأصالة والكرامة.
وقد أسّس هذه المبادرة الدكتور وائل التل، انطلاقًا من شعورٍ عميق بالانتماء، وحرصٍ على ربط الماضي بالحاضر، وجمع من فرّقتهم مشاغل الحياة على طاولة واحدة، يُعيدون فيها دفء العلاقات القديمة، ويبنون عليها ما يُبقي هذا النبض الإربدي حيًا، عابرًا للزمن.
ليست هذه المجموعة تمثيلًا لأي جهة، ولا بديلًا عن أحد، بل هي صورة مصغّرة لروح إربد الكبيرة، تلك المدينة التي لا تُختصر في أسماء، بل تُروى في كل بيت، وتُكتب في كل حجر، وتحيا في كل وجدان محب.
إربد القديمة لا تزال تنبض برجالاتها. وما هؤلاء الأصدقاء إلا تجلٍّ صادق من تجليات وفاءٍ لا يريد أن ينقرض، ومن حنينٍ لا يريد أن يُنسى. إنهم يُعيدون إلينا مشاهد من زمن الألفة، حين كان الآباء يجلسون معًا، ويتزاورون، ويختصمون بحبّ، ويتصالحون بودّ، ويتوارث الأبناء ذلك كأمانة لا تفنى.
فيا إربد، يا دار الكرم والمجد، دُمتِ عامرةً بأهلك، وبأصدقائك، وبأبنائك الذين ما زالوا – رغم كل شيء – يصرّون أن للودّ جذورًا، وللأصالة رجال..