facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الأخلاق في إدارة الأزمات: التوازن بين المبادئ والمصلحة العامة


لانا ارناؤوط
22-07-2025 12:36 PM

في خضم الأزمات حيث تتعاظم التحديات وتتسارع القرارات تظهر الأخلاق كمرتكز أساسي في الحكم الرشيد والإدارة الواعية، فليست الأخلاق في هذا السياق مجرد رفاهية نظرية بل هي جزء لا يتجزأ من أدوات التقييم واتخاذ القرار، ووجودها لا يعبر عن ضعف أو بطء بل عن عمق وبعد نظر، فالقرار الأخلاقي لا ينفصل عن الفاعلية بل هو الذي يضمن استدامتها ويمنحها القبول المجتمعي

حين تقع أزمة صحية أو اقتصادية أو سياسية يجد المسؤول نفسه في مواجهة معضلة حقيقية، هل يتبع ضميره الأخلاقي أم ينحاز للمصلحة العامة التي قد تتطلب قرارات استثنائية وربما قاسية؟ فمثلاً خلال جائحة كورونا لجأت بعض الحكومات إلى تقييد الحريات الفردية بشكل واسع بحجة حماية الصحة العامة، وهنا برز السؤال المؤرق: هل هذه القرارات أخلاقية أم أنها تخلّت عن المبادئ لأجل الكفاءة؟ الجواب لا يكون سهلاً، فالمعادلة تتطلب توازناً حساساً بين حماية الفرد وضمان المصلحة العامة

تكون الأخلاق أولوية في الأزمات عندما تكون الكرامة الإنسانية مهددة أو عندما يتعلق الأمر بحقوق أساسية مثل الحق في الحياة أو الحماية من التمييز أو عندما تكون الخيارات المطروحة متقاربة تقنياً ويحتاج صانع القرار إلى مرجعية ذاتية تُجنّبه الانحراف نحو المصلحة المجردة أو حين تؤثر القرارات على ثقة الناس بالمؤسسات أو حين تكون المعلومات غير مكتملة ويصبح الاحتكام للقيم الأخلاقية هو السبيل الوحيد للوضوح والشفافية

يمما المصلحة العامة فتعلو عندما تتعلق القرارات بسلامة عدد كبير من الناس مثل قرارات الإجلاء أو الحظر الشامل أو عندما تكون الموارد محدودة ويجب توزيعها بطريقة تحقق الفاعلية الأكبر حتى لو أدى ذلك إلى تأخير الدعم لفئات معينة أو عندما تتطلب الظروف قرارات عاجلة لا تتيح ترف النقاش الأخلاقي المطول لكنها تظل ضرورية لمنع الانهيار الجماعي

في كلتا الحالتين لا ينبغي أن تكون المصلحة العامة غطاءً للتمييز أو الظلم، فحتى حين تتقدم المصلحة يجب أن تلتزم بحدود أخلاقية تحفظ كرامة الناس وتقلل الأضرار، وهنا تظهر الحاجة إلى معايير واضحة تحكم هذا التوازن منها أن يكون الضرر في حده الأدنى، وأن يتم توضيح مبررات القرار وآثاره بشفافية، وأن يتم توزيع الأعباء بعدالة دون تمييز أو تفضيل، وأن تكون الإجراءات متناسبة مع التهديد الفعلي بحيث لا تتحول إلى استبداد تحت غطاء الضرورة

ثمة أطر معتمدة تساعد في اتخاذ قرارات أخلاقية أثناء الأزمات، منها ما يُعرف بإطار القيم الأربعة الذي يشمل الاحترام والعدالة والإحسان وعدم الإضرار، كما يُنصح باتباع نهج تشاركي يتيح للمجتمع أو ممثليه التعبير عن موقفهم خاصة في ما يخص الفئات الأشد ضعفاً، وهناك أيضاً منهج التقييم الأخلاقي المتعدد الأبعاد الذي يحلل القرار من زوايا إنسانية وقانونية واجتماعية ويأخذ بعين الاعتبار السياق المحلي والخصوصيات الثقافية

إدارة الأزمات ليست مجرد معادلات تقنية باردة، بل اختبار حقيقي للأخلاق العامة، فالقادة لا يُقاسون فقط بقراراتهم بل بالطريقة التي اتخذوا بها تلك القرارات، هل كانت عادلة؟ هل تم شرحها للناس؟ هل شعر المتضررون أنهم ما زالوا جزءاً من النسيج الوطني؟ كل هذه الأسئلة تؤسس لمعيار جديد في الحوكمة يسمى بالثقة الأخلاقية، وهي الثقة التي تجعل المجتمعات تصبر وتتكاتف وتنهض مجدداً
في النهاية يمكن القول إن أصعب ما في إدارة الأزمات ليس نقص الموارد أو شدة التهديد بل تآكل الأخلاق تحت ضغط الضرورة، لذلك فإن من يمتلك رؤية أخلاقية متزنة هو الأجدر بالقيادة وقت الأزمات، لأن الأخلاق ليست عائقاً أمام النجاة بل طريقها الأصدق والأبقى





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :