بيوت إربد القديمة .. ذاكرة مهدومة وهوية تبحث عن إنقاذ
د. حمزة الشيخ حسين
22-07-2025 07:12 PM
في قلب إربد، المدينة التي اختزلت فصولاً من التاريخ الأردني، وعاشت تحولات الحداثة ببطء وألم، تلاشت معالم معمارية وتراثية كانت تشكّل في يوم من الأيام الروح الحقيقية لوسط المدينة.
لم تكن هذه المعالم مجرد جدران أو أحجار متلاصقة، بل كانت مرآة صافية لروح المكان، ومرجعًا بصريًا وعاطفيًا لذاكرة أجيالٍ بأكملها.
من أبرز هذه المعالم التي لم يعد لها وجود على أرض الواقع، منزل الحاج حسن الشيخ حسين، أحد منازل البلدة القديمة التي شُيّدت بعناية وخصوصية معمارية في نهايات القرن التاسع عشر. هذا المنزل، الذي اكتمل بناؤه عام 1900 ميلادي، وفق رخصة بناء رسمية ما زالت محفوظة في أرشيف بلدية إربد، كان يتكوّن من طابقين، ومبنيًا على الطراز المحلي المميز بالحجارة الكلسية، والأقواس، والفناء الداخلي، والشبابيك الخشبية ذات الطابع الشرقي.
وقد كان هذا المنزل يقع تحديدًا في “حارة حوش الجودة” ضمن حي ظهر التل، وهي إحدى أقدم الحارات في وسط مدينة إربد، وكانت تحتضن مجموعة من البيوت التراثية التي تشكّل نواة المدينة التاريخية. ولكن، في ثمانينيات القرن الماضي، وتحت ذريعة “تنظيم المدينة”، قرر مجلس بلدية إربد إزالة هذا الحي بأكمله، وتم هدم منزل الحاج حسن ضمن حملة إزالة طالت معالم أثرية وسكنية أخرى، ليتم تحويل الموقع لاحقًا إلى ما يُعرف اليوم بـ**“ساحة فوعرا”**.
ومع هدم هذا البيت، هُدم جزء من ذاكرة المدينة، وطُويت صفحة من صفحات إرثها المعماري والاجتماعي، خصوصًا أن تلك المنطقة كانت تشكّل قلبًا نابضًا بالحياة التجارية والسكنية لعقود طويلة. وما حدث هناك لم يكن مجرد تغيير في البنية، بل تحوّل جذري في ملامح المدينة وسرديتها التاريخية.
وقد شملت عمليات الهدم أيضًا منازل كانت تعود للقرن الثامن عشر، تمتاز بالتصميم الشامي والعثماني، بنوافذها المقوسة وسقوفها المقببة، والتي كانت تضيف طابعًا معماريًا فريدًا لإربد، يصعب تعويضه.
ومع الأسف، فإن كثيرًا من المعالم التراثية في إربد مهددة بمصير مماثل، في ظل غياب سياسة واضحة لحماية ما تبقى من الطابع المعماري القديم، وغياب التوثيق الكافي للبيوت التي شكّلت النواة الأصلية للمدينة.
إن منزل الحاج حسن الشيخ حسين، برغم اختفائه من المشهد العمراني، لا يزال حاضرًا في ذاكرة أبناء الحارة والمدينة، شاهدًا على زمن كانت البيوت فيه تُبنى بحب وانتماء، وتُصمّم لتخدم الإنسان لا الإسمنت، وتحكي قصص الناس لا حسابات السوق.
ربما لم يعد المنزل قائمًا، لكن الدروس من فقدانه لا تزال قائمة، تدعونا للحفاظ على ما تبقى من هوية المدينة، ولإعادة الاعتبار إلى ذاكرة المكان، قبل أن تتحوّل إربد إلى مدينة بلا ملامح، ولا وجوه، ولا ذاكرة…