تحصين الفضاء السيبراني لم يعد خيارًا
د. أحمد غندور القرعان
23-07-2025 11:28 AM
جاء طرح دولة رئيس مجلس الأعيان بإنشاء جيش إلكتروني لمجابهة الذباب الإلكتروني في توقيت بالغ الأهمية، ويستحق الإشادة والدعم الكامل. هذا المقترح ليس مجرد مبادرة تقنية، بل خطوة استراتيجية في مسار بناء سيادة سيبرانية حقيقية تحمي الدولة من حملات التشويه والتضليل والاختراق النفسي الممنهج.
الفضاء الرقمي لم يعد بيئة منفصلة عن الواقع، بل أصبح امتدادًا مباشرًا للسيادة الوطنية. الحروب لم تعد تبدأ بالصواريخ والدبابات، بل بمنشورات مدروسة، وشائعات موزعة بعناية، وتقنيات اختراق للرأي العام. الذباب الإلكتروني، بمسمياته المختلفة، هو أداة في حروب الجيل الخامس، تُستخدم لإضعاف الثقة بين المواطن ومؤسساته، وتفكيك تماسك المجتمعات.
إنشاء جيش إلكتروني لا يعني تقييد حرية التعبير، بل ضمان حرية التعبير الواعية والمسؤولة. لا أحد يعترض على النقد الصادق، ولا على الحوار المفتوح. لكن من يرفض إنشاء هذا الجيش، يغفل أن الدول التي تحترم نفسها تمتلك أجهزة دفاع سيبراني متقدمة، وتستثمر في حماية عقول أبنائها كما تستثمر في حماية حدودها.
لقد كتبت سابقًا في أساسيات هذا الملف، وسأستمر في الكتابة لاحقًا لأن تحصين الفضاء الإلكتروني واجب وطني لا يقل أهمية عن أي ملف أمني أو سياسي. المطلوب اليوم ليس فقط دعم هذه المبادرة، بل ترجمتها إلى برنامج وطني متكامل، يُشرف عليه مختصون في الأمن السيبراني، الإعلام الرقمي، تحليل البيانات، وعلوم النفس والاجتماع.
ما طرحه رئيس مجلس الأعيان يجب ألا يُترك في إطار التصريحات. هذه دعوة مباشرة لوضع استراتيجية سيبرانية وطنية، تبدأ ببناء قدرات، وتنتهي بصناعة ردع رقمي.
فمن لا يملك أدوات المواجهة، سيظل هدفًا سهلًا في زمن لا ينتظر الضعفاء.