facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الرحابنة لا يرحلون ..


د. عبير الرحباني
26-07-2025 03:26 PM

كم هو موجع أن نكتبها... أن ننطقها... أن نصدّقها.. مات من كان صوته يشبهنا أكثر من أنفسنا..

رحلَ الحرفُ من لحنهِ مُنكسِرًا،

وصمتتْ البيانو على غيرِ عادتها.

غابَ زيادُ، وارتجفتِ الأغنية،

كأنَّ الوطنَ أضاعَ مرآتهُ وصوتَه.

كان إذا تحدّث، صمتَ الضجيج،

وإذا عزف، بكتِ الضحكاتُ من فرطِ الصدق.

أيقونةُ التمرّدِ، وموسيقى الوجعِ النبيل،

أدارَ المذياعُ ظهره، كأنَّهُ حزينٌ على الرحيل.

رحل الصوت الذي تحدّث بوجع الناس، واللحن الذي لم يتنازل عن صدقه يومًا.. رحل الكاتب والمسرحي.. العازف والمتمرّد.. نجل فيروز وامتداد للمدرسة الرحبانية، لكنه لم يكن نسخةً من أحد..

رحل زياد الرحباني وترك لنا نوتة العمر مكتوبة بدمعه وضحكته... عزف الوجع بلغة لا يتقنها سواه، وغاب، لكنه باقٍ بين السطور.

غاب الصوت الساخر، وغاب اللحن الذي كان يعزف وجع الناس بصمت، ويمزج الحزن بالضحك بنكهة الوطن. رحل زياد الرحباني، من قال الحقيقة بصوت عالٍ، وغنّى وجع المدن العربية بشجن لا يشبه إلا روحه. رحل من كان موسيقار التمرد، وكاتب الألم الجميل، ليترك لنا أرشيفًا من الدهشة، وحنينًا لا يبرد.

فأنت يا زياد لم تكن مجرد فنان.. كنت حالة... كنت مدرسة... كنت مرآة صافية وصادمة للزمن العربي المتعب.. كنت وجهاً آخر للشارع، للحن، للإنسان الصادق. غبت بالجسد، لكن صوتك باقٍ في ذاكرة الوطن.

ذاك الذي علّمنا أن الموسيقى ليست نغماً فقط، بل صرخة وابتسامة ومرآة لوجع الناس."

غبت يا زياد عن مسرح الحياة، لكنك تركنا نقف على مسرحه الكبير، نردّد ما كتب، ونتأمل ما لم يقل.

زياد مات، لكن كلماته باقية تهزّ الضمير، وألحانه تفيض من ذاكرة بيروت لتغمر العالم العربي دفئًا ووعياً..

ففي رحيلك.. نخسر آخر الحالمين بالغد، وآخر العابثين بالنوتة بصدق. لكن الفنّ الذي حملته سيبقى ضوءًا في ليلنا الطويل."

اليوم، نبكيك يا زياد...

لكننا لا نرثيك، بل نُرثي هذا الزمن الذي فقد آخر الحالمين بالغد، وآخر من كتب وجع الناس على نوتة، فغنّاه الملايين دون أن يعرفوا أنهم يغنّون أنفسهم.

وداعاً يا من علَّمتنا أن نسخر من الألم، وأن نحبّ البلاد برغم كلّ شيء. وداعا مني أنا لأنك علّمتني أن الصدق هو أجمل أنواع الفن.. وأن الصوت لا يُشترى، والكلمة لا تُستأجر.

واليوم، حين رحلت، لا نرثيك فقط… بل نرثي فينا القدرة على الحلم، على الغضب، على الغناء بصوت مرتفع.

مات زياد الرحباني... لكن الفن الرحباني لا يموت.. والكلمة الصادقة لا تموت.. ومن أحبّ الناس بصدق، لا يموت. والصوت الذي عبّر عن الناس بصدق، لا يُسكت بالموت.

وداعًا يا زياد من بيروت حتى عمّان، ومن النبض الرحباني إلى الذاكرة العربية...

وداعًا يا ابن الاسطورة فيروز.. فالرحابنة لا يرحلون، بل يورّثون الخلود.. نمْ الآن ولتسترح روحك بسلام يا زياد فقد تعبتَ كثيراً.. وحان للوترِ أن يستريح.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :