شائعة ليست مجرد كذبة تُروى بل هي ظاهرة اجتماعية معقدة تعكس طبيعة التفكير الجمعي في لحظات التوتر والقلق وهي شكل من أشكال الاستجابة النفسية والمعرفية للغموض الذي يحيط بالأزمات تُعرّف الشائعة بأنها معلومة غير مؤكدة تنتشر بين الناس دون وجود مصدر واضح أو دليل قاطع وغالبًا ما تُلبَس لباسًا منطقيا لتكتسب المصداقية وتُبنى حول تساؤلات حقيقية، ولكن تُملأ بإجابات وهمية تلبي الحاجة إلى الفهم أكثر مما تستند إلى الواقع.

يرغب الناس في الشائعات لأنهم يجدون فيها نوعًا من التفسير السريع للأحداث المربكة وهي تملأ الفراغات التي تتركها التصريحات الرسمية أو تعجز عن توضيحها بشكل مُقنع كما أن الشائعة تمنح الشعور بالسيطرة حين يكون الواقع خارج نطاق الفهم والسيطرة وهي تشكل متنفسًا رمزيًا للخوف والتوتر والارتباك حيث يجد المتلقي في الشائعة ملاذًا من حالة عدم اليقين حتى وإن كانت تلك الشائعة سوداوية أو كارثية.

يلجأ الناس إلى الشائعات لأنهم في حالات الأزمات يحتاجون إلى إجابات أكثر من حاجتهم إلى الدقة فالمعلومة المطمئنة أو المثيرة أو التي تعزز مشاعر الغضب والانتماء تنتشر أكثر من الحقائق المجردة كما أن الشائعات تسمح بإعادة صياغة الأزمة وفق تصورات مسبقة موجودة في اللاوعي الجمعي فالبعض يرى في كل أزمة مؤامرة خارجية وآخرون يرون فيها تقصيرًا من الداخل فتُصبغ الشائعة بما يخدم الرواية الأقرب إلى المعتقدات لا إلى الوقائع.

وللشائعة فوائد غير متوقعة في بعض السياقات فهي كاشفة لحالة المجتمع النفسية والثقافية والسياسية وقد تفضح غياب الثقة أو ضعف الاتصال أو هشاشة المؤسسات الرسمية كما أنها تخلق نوعًا من التماسك بين من يشاركونها ويؤمنون بها فهي تقوي الإحساس بالانتماء إلى جماعة تملك "الحقيقة" المخفية كما يُخيّل لهم ومع ذلك فإن فائدتها تكشف مكامن الخلل أكثر مما تقدم حلولًا إذ لا تُبنى المجتمعات على الخيال ولا تُدار الأزمات بالتخمين.

أما عن كيفية التعامل مع الشائعات فلا بد من اعتماد استراتيجية شاملة تبدأ من الاعتراف بوجود فجوة معلوماتية يجب سدها ولا تقتصر على نفي الشائعات بعد انتشارها، بل تتطلب استباقها بمعلومات واضحة وشفافة وسريعة تمنح الناس الثقة والإجابات المقنعة ويجب أن تخرج هذه المعلومات من مصادر موثوقة وبلغة قريبة من الناس بعيدًا عن التعالي أو التهوين أو التخويف كما يجب تفعيل الإعلام المستقل وتدريب الصحفيين على التحقق والتحليل وعدم الانجرار خلف العناوين المثيرة.

ويجب ألا نغفل دور التعليم في بناء جيل قادر على التمييز بين الحقيقة والزيف بين المصادر الموثوقة والمجهولة فالتفكير النقدي ليس رفاهية معرفية، بل أداة مقاوم مجتمعية ضد التضليل في أوقات الخطر كما أن وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن تتحمل مسؤوليتها في مراقبة المحتوى دون المساس بحرية التعبير وذلك بخلق توازن دقيق بين محاربة الشائعات وضمان انسياب المعلومات.

الشائعة في الأزمات ليست عدوًا يمكن تدميره بسهولة، بل هي عرض لمشكلة أعمق تتعلق بمستوى الثقة وطبيعة النظام الإعلامي وحيوية المجال العام فإذا أردنا أن نحاصر الشائعات علينا أن نعالج التربة التي تنبت فيها وأن نعيد بناء العلاقة بين المواطن والحقيقة وبين الدولة والمجتمع عبر الشفافية والمشاركة والوضوح لأن المعلومة الموثوقة ليست مجرد حق، بل هي شرط للبقاء في زمن الأزمات