facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حين يُتهم الإنقاذ بالمسرحية… من يُطعم الجوعى في غزة؟


د. مثقال القرالة
28-07-2025 01:49 PM

في غزة، لا شيء يشبه الحياة سوى التمسك بها. هناك، في الشمال المحاصر، لا صوت يعلو فوق أنين الأطفال الجوعى، ولا صورة أكثر قسوة من أمّ تحتضن أبناءها محاولة إقناعهم أن العشب غذاء، وأن الماء سيأتي "غداً". لكن الغد لا يأتي. ولا المعابر تُفتح. ولا الشاحنات تدخل. ويبقى الحصار سيد الموقف، والمجاعة تتربّص بكل بيت، وكل شارع، وكل قلب. وفي خضم هذه الكارثة، يخرج من يختار الهجوم لا على من يحاصر غزة، بل على من يحاول أن يُنقذ ما يمكن إنقاذه. يصفون الإسقاطات الجوية بأنها مسرحية، ويسخرون من الطائرات التي تلقي بحمولات الغذاء والماء من السماء، كما لو أن من يُلقي المساعدة مجرم، ومن يتلقاها مُدان. يتناسون أن هذه الحمولات، مهما كانت محدودة، هي الفرق بين الحياة والموت لأناس تُركوا وحدهم في مواجهة الجوع، في ظل عجز العالم وتواطؤه.

قد لا تكون المساعدات الجوية حلاً مثالياً. لا أحد يدّعي ذلك. هي ليست كافية، وليست دقيقة دائماً، وبعضها لا يصل إلى وجهته. لكنها الخيار الوحيد الممكن اليوم، في منطقة تحوّلت إلى سجن كبير، بلا طعام، ولا ماء، ولا دواء، ولا ممر إنساني. هي فعل اضطراري في مواجهة كارثة، وصوت إنساني وسط صمت دولي مخزٍ. الإسقاط الجوي لا يدّعي أنه حل شامل، لكنه شريان حياة في قلب الموت. هل المطلوب أن نمزّق هذا الشريان لأنه ليس مثالياً؟ هل الكمال شرط للمساعدة؟ وهل نترك الناس تموت لأن الإسعاف جاء من السماء؟

في هذا المشهد، لا يمكن لأي ضمير حيّ أن يتجاهل الدور الأردني، الهاشمي، الثابت والمتقدم، في إيصال المساعدات إلى قلب غزة. لم ينتظر الأردن الإذن من أحد، ولم يقف عند الحسابات الضيقة أو المناكفات، بل تحرّك بعزم، وبمسؤولية، وبمبادئ راسخة. الجيش العربي الأردني، بتوجيه من القيادة الهاشمية، نفّذ عمليات إسقاط دقيقة وخطيرة، لإيصال الغذاء والماء إلى المناطق الأكثر فقراً وحصاراً، في شمال القطاع، حيث توقفت الحياة. هذا ليس مجرّد عمل إغاثي، بل موقف سياسي وأخلاقي، عبّرت عنه عمّان بوضوح: لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي فيما يُذبح شعب بأكمله جوعاً. لم يكن الأردن يملك رفاهية الانتظار، ولم يتردد في تحويل قراره إلى فعل. بينما كانت دول كثيرة تكتفي بالبيانات، كانت طائرات سلاح الجو الأردني تخترق السماء الفلسطينية، مُحمّلة بما يُعيد الحياة إلى أهلها. وهذا الفعل لم يكن لمجرد استعراض، بل كان حصيلة قرار وطني، يعكس انحيازاً راسخاً لفلسطين، شعباً وقضية.

من السهل على البعض، ممن لا يقدّمون شيئاً، أن يسخروا من كل محاولة. أن يصفوا الإغاثة بالاستعراض، والإسقاط بالمسرحية، بينما أيديهم فارغة، وصدورهم خاوية من الرحمة. لكن من لا يحمل بديلاً، لا يملك حق الانتقاد. من لا يفتح طريقاً، ولا يُرسل شاحنة، ولا يحمي طفلاً من الجوع، لا يحق له أن يُسفّه محاولات الإنقاذ، أياً كانت طبيعتها. فالكرامة لا تكون بتجويع الناس. ولا تُبنى المقاومة على أنقاض أجساد الأطفال. الكرامة الحقيقية تبدأ من حماية الإنسان، من إنقاذ حياته، من صون جسده من الجوع والمرض.

أما تحويل الألم إلى شعارات، واحتكار الفهم الوطني في وجه كل من يقدّم يد العون، فهذه قسوة تُلبس ثوب المزايدة، لا أكثر.

الإسقاطات الجوية التي ينفذها الأردن اليوم، ليست أكثر مما يستطيع أن يفعل، لكنها بالتأكيد أكثر بكثير مما يفعله الآخرون. إنها ليست الحل النهائي، لكنها خط الحياة الوحيد المتبقي لآلاف البشر في شمال غزة. والقيادة الأردنية، وفي مقدمتها جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم، لم تساوم على هذا المبدأ، ولم تبحث عن صدى إعلامي، بل عملت بصمت وشجاعة، وبقيت على عهدها التاريخي في الدفاع عن فلسطين في كل المحافل، وبكل الوسائل. ومن يرى في هذا الفعل "مسرحية"، فليخبرنا كيف يمكن إنقاذ طفل جائع بكلمات الغضب فقط؟ كيف يمكن تعبئة معدة خاوية بالشعارات؟ وهل تُبنى المواقف برفض الخبز لأنه أتى من الجو؟

غزة تحتاج إلى كل يدٍ تمتد، وكل قلب ينبض، وكل شريان يحمل أملاً، حتى لو كان عبر السماء. ولا أحد يملك حق التهكم على ذلك، ما دام لا يملك شيئاً آخر يُنقذ به حياة من لا يملكون شيئاً سوى الصمود.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :