facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




شمّاعة غزة


فيصل سلايطة
29-07-2025 11:03 PM

في كل مناسبة اجتماعية، في كل لحظة فرح، نسمع العبارة ذاتها تتكرر: "غزة تحترق، وأنتم تضحكون؟" أو "كيف ترقصون وهناك أطفال في غزة يموتون؟"

عبارات تخرج بسهولة، لكنها تحمل وزناً نفسياً مُرهقاً. تُستخدم لا للدعم، بل كوسيلة لجلد الذات الجماعي، وكأن الفرح صار خيانة، والابتسامة فعل غير أخلاقي في حضرة الألم.

في الأردن، كما في غيره من البلاد العربية، هناك فئة لا تتوقف عن نصب المشانق المعنوية لكل من يعيش لحظة طبيعية. ترى أحدهم يحتفل بنجاح ابنه، فيُذكَّر بغزة. تراه يذهب لحفل زفاف، فيُذَكَّر بغزة. يأكل في مطعم، يشرب قهوة، يلبس جديداً، يخطط لسفر... وكل ذلك يُصبح "جريمة" لأن غزة تحت الحصار.

لكن الحقيقة التي يغفلها هؤلاء – أو يتغافلون عنها – أن الحياة في غزة نفسها، رغم القصف والفقر والانقطاع، تمضي. يولد فيها أربعون ألف طفل سنوياً. تقام الأعراس ببساطة داخل الخيام. يحتفل الناس بوقف الحصار ، يحضرون المباريات. تُغنّى الأغاني وتُزين المدارس . لأن الحياة، حتى وسط الركام، تعرف كيف تستمر.

الغزيون لم يتوقفوا عن الحب، ولا عن الإنجاب، ولا عن السعي وراء لحظة فرح. فلماذا يُطالَب غيرهم بإيقاف حياتهم بحجة التعاطف؟

إن استخدام غزة كـ"شماعة" لمهاجمة مظاهر الحياة الطبيعية في أماكن أخرى لا يُعدّ تعاطفاً، بل تشويهاً للمفهوم. فالتعاطف الحقيقي لا يُقاس بكمية الحزن المصطنع، بل بالدعم الحقيقي، بالكلمة الطيبة، بالتبرع، بالمواقف السياسية، بوعي يتجاوز التوبيخ والتنمر العاطفي.
من يتألم لغزة حقاً، لا يوقف الناس في الطرقات ليوبخهم لأنهم يعيشون، بل يبحث كيف يمكن أن يدعمهم، وهم هناك، لا أن يعكر على من هنا.

هذه العقلية – عقلية المزاودة العاطفية – تخلق عوائق نفسية خطيرة. تجعل الناس يشعرون بالذنب لمجرد أنهم أحياء. تصنع جيلاً لا يعرف كيف يتعامل مع الفرح، لأنه مشروط بمأساة غيره. والأنكى، أنها لا تغيّر من الواقع شيئاً، فلا هي خففت معاناة غزة، ولا هي حسّنت حال من هاجموا الفرح باسمها.

التعاطف لا يُفرض. ولا يُستخدم سيفاً. والتضامن لا يعني أن ندفن ضوءنا تحت رماد الآخرين.

غزة لا تطلب من أحد أن يتوقف عن الحياة. بل هي تقاوم من أجل أن تستمر الحياة.

فلا تجعلوا منها ذريعةً لدفنها في أماكن أخرى.

في النهاية، علينا أن نتعلم كيف نفرّق بين التعاطف الحقيقي والتلاعب العاطفي. وأن ندرك أن ذكر غزة لا يجب أن يكون لعنة نلقيها في وجه الفرح، بل دعوة لصناعة أمل... يشبه غزة نفسها، التي لم ولن تتوقف عن الحياة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :