على حافة التضامن: كيف نتجنب التباس الموقف بين نصرة غزة وإضعاف الوطن
المحامي عاصم ربابعة
31-07-2025 02:44 PM
في قلب كل أردني، تنبض فلسطين كقضية مركزية، وتتجسد هذه الحقيقة في موجات التضامن الشعبي العارم مع أهلنا في غزة كلما ألمت بهم محنة. هذا التفاعل ليس مجرد رد فعل عاطفي، بل هو تعبير متجذر عن هوية وتاريخ ومصير مشترك، وإيمان عميق بعدالة قضية لا يمكن لضمير حي إلا أن ينتصر لها.
إن مشاعر الغضب والألم التي تعتري الشارع الأردني هي انعكاس طبيعي وصحي لوجدان أمة ترى في جرح غزة جرحاً نازفاً في جسدها. ويقف الأردنيون، بكل أطيافهم، صفاً واحداً في هذا الموقف، مؤكدين على واجب الأخوة الذي لا يعرف حدوداً. لكن في خضم هذا المشهد النبيل، تبرز تحديات دقيقة تتطلب منا وقفة تأمل ومراجعة.
فما يثير الانتباه حقاً، هو أن هذا الزخم الشعبي الكبير بات يقابله في بعض الأحيان خطاب موازٍ من التشكيك، لا يكتفي بتوجيه النقد للعدو الخارجي، بل يمتد ليطال مؤسسات الدولة الأردنية ذاتها، ويشكك في نواياها وجهودها. هنا، يتحول التضامن من قوة دافعة إلى أداة قد تُستغل، عن قصد أو عن غير قصد، لتقويض الجبهة الداخلية وزعزعة الثقة بالدولة التي تمثل خط الدفاع الأول عن مصالح الأمة وقضاياها.
وهنا يكمن الفارق الجوهري بين الشجاعة المسؤولة والاندفاع غير المحسوب. فالشجاعة الحقيقية لا تكمن في إطلاق الشعارات والهتافات التي قد تضر أكثر مما تنفع، بل في تحويل هذا التضامن إلى طاقة إيجابية ومنظمة. طاقة تدعم الموقف الرسمي الأردني الذي يعمل دبلوماسياً وإنسانياً على كافة الأصعدة، وتساهم في إيصال المساعدات، وتفضح جرائم الاحتلال في المحافل الدولية.
إن الحفاظ على استقرار الأردن وقوة مؤسساته ليس شأناً داخلياً منفصلاً عن القضية الفلسطينية، بل هو في صميمها. فالدولة القوية المتماسكة هي وحدها القادرة على حمل أعباء الدعم السياسي والمادي، وهي السند الحقيقي الذي يستند إليه الأشقاء في أوقات الشدائد. وأي محاولة لإضعاف هذه الدولة، تحت أي ذريعة، هي في المحصلة خدمة مجانية لأعداء الأمة الذين يتربصون بالجميع.
لذلك، يجب أن يكون وعينا بحجم مسؤوليتنا موازياً لعمق تضامننا. لنجعل من حبنا لفلسطين دافعاً لتعزيز قوة وطننا، ولنكن على يقين بأن الحكمة لا تقل أهمية عن الشجاعة. فالتضامن المسؤول هو الذي يبني ولا يهدم، ويوحد ولا يفرق، ويشكل جسراً حقيقياً لدعم صمود أهلنا في غزة، مع الحفاظ على الأردن كقلعة صامدة في وجه كل التحديات.