زمن الأقنعة .. حيث الكذب يتكلم والصدق يُطرد
د. حمزة الشيخ حسين
01-08-2025 12:36 PM
بقلم: د. حمزة الشيخ حسين
في زمنٍ صار فيه الكذبُ بطاقةَ عبور، والأقنعةُ وسيلةَ تَجمُّلٍ اجتماعي، لم يعُد وجهُ الإنسانِ هو مرآتهُ الحقيقية، بل بات قِناعهُ هو عنوانه.
نعيش اليوم وسط عجقة وجوهٍ مصطنعة، تتلوّن بحسب المصالح والمناسبات، لا تبتسم لأنها سعيدة، بل لأن الموقف يتطلّب “ابتسامة سياسية”، ولا تذرف دموعها من ألم، بل لأن الدموعَ أصبحت أداءً تمثيلياً محترفاً يُتقنه الجميع.
الناس لم تعُد كما كانت. أصبح من الطبيعي أن تسمع كلمات المديح من شخصٍ يطعنك غدًا في ظهرك، وأن تُشاهد وجوهًا حزينة في العزاء سرعان ما تُسرع لمغادرة الكراسي حال انتهاء مراسم “التمثيل”.
العزاء الحقيقي لم يعُد للموتى، بل للقيم.
في مجتمعٍ يُكافَأ فيه الكاذب بالتصفيق، والصادق بالنبذ، لم يعُد غريبًا أن نشهد صعود “أصحاب الأقنعة”، وسقوط أولئك الذين يرفضون تزوير وجوههم.
المنافقون صاروا خبراء في إدارة الحضور، وفي قول ما لا يؤمنون به، حتى صدّقوا أكاذيبهم.
اليوم، الكراسي السوداء امتلأت، لا برجال المواقف، بل بممثّلين بارعين. المشهد مكتمل: دخان كثيف من الكلام المعسول، تصفيق حار للخيبة، وأوراق كثيرة تُكتب لكن بلا ضمير.
وحين تنتهي المسرحية، وتُطفأ الأضواء، ينصرف الجمهور، ويغادر “الأبطال” إلى حياتهم، وكأن شيئًا لم يكن. تنتهي التمثيلية ويبقى السؤال:
هل من مكانٍ بعد لكلّ وجهٍ صادق؟
أم أنّنا في زمنٍ صار فيه الصدق وجهًا غير مرغوب به؟