الإنزالات الجوية الأردنية على غزة .. نموذجًا نادرًا
عدي الخطاطبة
03-08-2025 09:03 AM
تمثل الإنزالات الجوية الأردنية على قطاع غزة نموذجًا نادرًا في العمل الإنساني العربي، إذ لم تلتفت المملكة الأردنية الهاشمية إلى التعقيدات السياسية أو الخلافات مع حركة حماس، بل اختارت أن تركز على أولوية كبرى وهي بقاء الشعب الفلسطيني داخل القطاع وصموده في وجه آلة الحرب والدمار. هذه الإنزالات لم تكن مجرد مساعدات، بل كانت رسالة واضحة تقول: إن البعد الإنساني يجب أن يتجاوز أي اعتبار آخر، وإن دم الإنسان الفلسطيني أغلى من الخلافات السياسية، وأكثر قيمة من صراعات المواقف والتصريحات.
إن هذه الخطوة تعبر عن عمق الشعور بالمسؤولية تجاه الشعب الفلسطيني، لا تجاه فصيل أو سلطة أو حزب، وتكشف أن الوقوف إلى جانب المدنيين في أوقات الشدة لا يحتاج إلى حسابات معقدة، بل إلى إرادة حرة وشعور إنساني نقي. وهذا ما فعلته الأردن وهي تُسقط المساعدات من السماء في وقت كانت الأرض تضيق على أهل غزة من كل اتجاه.
في مثل هذه اللحظات، تبرز قيمة العمل العربي الحقيقي، ويظهر المعنى الصادق للوطنية؛ الوطنية التي لا تهتف بل تفعل، الوطنية التي لا تتفاخر بل تبادر، الوطنية التي لا تتغنى بالشعارات بل تصنع أثرًا يراه الناس ويلمسونه ويشعرون به.
لكن للأسف، هذا النموذج يقابله في الجانب الآخر حالة من التطبيل الأجوف المغلف بالوطنية الزائفة، وهي حالة تستغل شعور الناس بالانتماء لتكريس خطاب أحادي يصنّف الآخرين ويجردهم من انتمائهم لمجرد أنهم لا يتماشون مع هذا التوجه أو ذاك. وللأسف، فإن هذا النوع من الخطاب يشيع في أوقات الأزمات حين يكون الناس بأمس الحاجة إلى الحقيقة والوضوح والاحتواء، لا إلى الشعارات الجوفاء والاتهامات المجانية.
هذا التطبيل لا يبني وطنًا بل يهدمه، لا يوحد الناس بل يفرقهم، لا يعبر عن حب الوطن بل عن استغلاله لأغراض ضيقة. ومن المؤسف أن يكون بعض من يمارسه هم أنفسهم من يتحدثون عن الأخلاق والوطنية والوفاء، بينما هم في الحقيقة يسهمون في إقصاء الآخر ونزع وطنيته والتشكيك في نواياه وولائه، لمجرد أنه يختلف أو يسأل أو ينتقد.
الوطنية لا تُفرض ولا تُقاس بشدة الصوت أو بعدد اللافتات، بل تُبنى بالوعي والعمل والصدق والاحترام. الوطن ليس حكرًا لأحد ولا من حق أحد أن يمنح صكوك الوطنية للناس أو يسحبها منهم. الوطن يسع الجميع، وكل صوت مخلص فيه يجب أن يُسمع لا أن يُسحق تحت ضجيج المزايدين.