منذ لحظة وصولي إلى مهرجان جرش، شعرت وكأنني دخلت إلى قِطعة من مطار الملكة علياء الدولي، لا إلى محافظة في شمال الأردن. هذا ليس مبالغة، بل توصيف دقيق للحضور الأمني المحكم والمنظم، الذي يعكس صورة مدهشة عن قدرة الدولة الأردنية على إدارة الفعاليات الكبرى بكفاءة واحترافية يُحتذى بها. لقد حضرت حفلة الفنانة أصالة نصري مساء الأمس، وكانت حفلة مبهرة بكل المقاييس: حضور جماهيري لافت، تنظيم دقيق، وصوت يأخذك من مدرج جرش إلى قمم الروح.
لكن، وكما لكل وجه مضيء ظلّه، لا يمكن أن أغفل الحديث عن الطريق المؤدية إلى المدرج الجنوبي، حيث بدأت رحلتي الحقيقية مع "اللا مهيّأ". طرق ترابية، بلا إنارة كافية، لا مسارات واضحة للمشاة، ولا حتى إشارات تدل على الاتجاهات. شعرت أن التجربة الثقافية كانت تستحق أكثر من هذا المدخل. كيف لواحد من أهم المهرجانات العربية، والذي يستقبل الزوار من مختلف المحافظات ومن خارج الأردن، أن لا يُعطى العناية الكاملة في تفاصيل الوصول والراحة اللوجستية؟
المصفّات – الحمّامات العامة إلى أكشاك بيع – بدت وكأنها مؤقتة، بل مؤقتة بقلق ، تفتقر إلى التهيئة والخدمة الكافية، وتكاد تُسيء إلى فخامة ما يحدث على المسرح. وكان من المؤلم أن ترى كبار السن والضيوف يتنقلون بصعوبة، دون تجهيزات كافية لتسهيل حركتهم أو استراحتهم.
لكن رغم كل ذلك، يظل مهرجان جرش ضرورة ثقافية وسياحية لا يمكن الاستغناء عنها. هو ليس مجرد فعالية، بل هو مرآة تعكس وجه الأردن الحضاري، وتفتح نافذة مشرقة للعالم على جماله، تنوّعه، فنّه، وتراثه. ومن يتذرع بأن غزة تعاني أو أن الوضع الاقتصادي لا يسمح، فهو في الحقيقة لا يريد جرش في أي حال من الأحوال، حتى ولو عمّ السلام الأرض وازدهر الاقتصاد. هؤلاء لا يرون في الثقافة أولوية، ولا في الفن وسيلة للنهوض، بل يعيشون في دائرة الإنكار والتثبيط.
في جرش، ترى الناس تفرح وتغني، وتجلس تحت السماء لتستمع إلى الشعر والموسيقى، وتعرف أن هذا الوطن لا يزال ينبض. الترفيه ليس ترفاً، بل جزء من دورة الحياة، وجرش ليس زينة موسمية بل هو حق مستحق لكل من يريد أن يعيش الجمال في مكان آمن، منظم، ومشرق.
شخصيا عندما اكتب ، يكون شعوري الأول هو الغيرة ، فأنا أغار على أي تفاصيل غير منجزة بحرفية في وطني ، بلدان عديدة تتمنى مسارح جرش ، تتمنى تاريخا و احيانا تصطنعه لترضي طموحها ، فلماذا نحن اصحاب التاريخ نُهمل تفاصيله؟
الأمن في جرش كان مفخرة. تلك الدقة، ذلك الحزم، ذلك النظام، كلها تؤكد أن هذا الوطن قادر على الإنجاز حين يريد. والآن، آن الأوان أن يُستثمر هذا النجاح في البنية التحتية، لأن الطريق إلى المسرح لا يجب أن تعيق الطريق إلى الثقافة....فهذا الوطن يستحق منا أن نبنيه...و بضمير.