أيها المسؤولون لا تجعلوا شبابنا أعداء
د. هاني العدوان
08-08-2025 05:26 PM
كنت بالأمس في جولة المباركة للناجحين في التوجيهي، أتقاسم معهم فرحتهم، ولكن ما واجهته كان مشهداً مروعاً من الألم والخذلان، وجوه بلا ابتسامة، وقلوب مثقلة بالهموم، وأحاديث متكررة تعكس مأساة تتعمق في كيان الوطن أكثر وأكثر، كانت صرخات صامتة لشباب أرهقهم انتظار فرص العمل التي لم تأت وأهاليهم الذين غمرهم القلق على وطنهم وشبابهم
أين عقل الدولة من هذه القضية المقلقة، أين الحلول، أين الابتكارات، ما جدوى سياسات الإصلاح إذا لم يكن هدفها الأول قبل كل شيء استيعاب الشباب
داخل البيوت، على الشوارع، في المجالس، تكررت لي نفس الرواية الموجعة، أبنائي خريجون منذ سنوات دفعت عليهم دم قلبي والآن هم عاطلون بلا عمل بينما أبناء الذوات يستولون على المناصب، هذه صرخة مؤلمة ونذير حرب اجتماعية، قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في وجه من أوصلوا الوطن إلى هذا المأزق
أين مجلس النواب، أين مؤسسات المجتمع المدني، أين الأحزاب وبرامجها التي اتخمتنا وعوداً أثناء الحملات الانتخابية، نريد مشاريع ريادية، مشاريع تدعم الشباب، فتح مشاريع ريادية جماعية وفردية ودعمها وإنشاء صناديق تمويلية لها دون وضع تعقيدات
إلى من يديرون المشهد الحكومي، إلى كل مسؤول في هذا الوطن، هل تسمعون ما نسمعه، هل شاهدتم ما نراه، يا من تأكلون من خيرات الوطن، وتتمتعون بكل المزايا دون أن تبالوا، هل يدق قلوبكم حين تسمعون وجع الشباب الذي يفترش الأرض يائساً يتسول فرصة للعمل، يمضي لياليه بلا أمل، أم أن راحتكم ومنامكم أثمن من مستقبل ملايين الشباب وأثمن من الوطن
هل فكرتم يوماً في التفكير بمنطقة اقتصادية سليمة، بكيفية استغلال أراضي الدولة من قبل الشباب، ووضع استراتيجية وطنية لها
يا سادة إن البطالة التي تتفشى بين شبابنا، خاصة حملة الشهادات الجامعية، جريمة في حق الوطن ومستقبل أجياله وهي ليست صدفة بل نتيجة تراكمية لسياسات عقيمة، لتهميش ممنهج، ولصمت قاتل من مسؤولين غارقين في دوائر مصالحهم الضيقة وتدوير مناصبهم كما لو أن الوطن لعبة تلعب على ظهور الشباب
إنني أخاطبكم اليوم من قلب واقع مأساوي، واقع مؤلم ينتاب كل الناس بين اليأس والقلق، بين الخوف من المستقبل وبين إحساس بالظلم والخذلان، وبين القلق على مستقبل الوطن، هذا الواقع يصرخ لكم لقد دمرتم مستقبلنا، فهل ستدمرون وطننا
هل مجلس النواب ومؤسساتنا الوطنية جاهزة للقيام بدورها الحقيقي في معالجة هذه الأزمة، أم أنها تعيش في وهدة الغياب عن الواقع
إن ترك شباب الوطن بلا عمل، بلا أمل، بلا رؤية، هو انكسار لروح وطن بأكمله، فهؤلاء الشباب قد يتوجهون في غفلة منكم، إلى مسالك مهلكة، يحفرون بها قبر الأمان والاستقرار الذي نجتهد لرسوخه في هذا الوطن
هل تدركون أنكم اليوم، بتجاهلكم، تحفرون للوطن قبراً عميقاً، هل تعقلون أن راحة كراسيكم وأمن مناصبكم لن تدوم إذا انفجرت تلك القنبلة التي اسمها بطالة الشباب
هل هناك من يفكر بإنشاء صناديق تمويلية تدعم مشاريع الشباب الريادية، فردية وجماعية، هل هناك رؤية وطنية متكاملة لإشراك الشباب في اقتصاد الوطن بجدية ومسؤولية
يا سادة أنتم أمام مسؤولية تاريخية إما أن تنهضوا وتتخذوا قرارات جريئة وشجاعة لإنقاذ الوطن، أو أن تستعدوا لمواجهة كارثة وطنية لن ترحمكم ولن تنسى تاريخكم الأسود
أقولها صراحة كما سمعتها ويسمعها المواطن في المدينة والريف والبادية، شبابنا صوتهم يعلو وهمهم يتصاعد، وآمال تشتعل نارها، ولن نسمح أن يترك الوطن ينهار أمام أعيننا
هذا إنذار صارخ استوعبوا حجم المأساة، انتبهوا إلى ما تلوح به الأفق، وابتعدوا عن أنانياتكم وطموحاتكم الضيقة
الوطن أغلى من مناصبكم، ومستقبل شبابنا أثمن من كل ألقابكم
أيها المسؤولون لا تجعلوا شبابنا أعداء لوطنهم