في الأزمات تُختبر عزائم الأمم
النائب نور أبو غوش
09-08-2025 11:29 AM
"في الأزمات تُختبر عزائم الأمم، وفي المنعطفات تُرسم ملامح مستقبلها"، هكذا كان حال الأردن في سبعينيات القرن الماضي، حين عصفت المنطقة بظروف سياسية صعبة، فحُلّ مجلس النواب التاسع عام ١٩٧٤، ودخلت البلاد في فراغ دستوري، إلّا أن جلالة الملك الراحل الحسين لم يكن ليدع فكرة المشاركة السياسية تغيب، فأرسل عام ١٩٧٨ رسالة إلى رئيس الوزراء آنذاك مضر بدران يدعوه فيها إلى وضع قانون مؤقت لإنشاء مجلس وطني استشاري كجسر مؤقت بين الدولة والشعب، يضم شخصيات ذات كفاءة وتمثيل واسع، مع تأكيد أنه ليس بديلًا عن الحياة النيابية.
حافظ المجلس على خيط التواصل بين الحكم والمجتمع في أصعب الظروف، وخلق بيئة انتقالية مهّدت لعودة الحياة النيابية، فيرى الباحثون أن تجربة المجلس الوطني الاستشاري كان لها أثر إيجابي على تطوير الثقافة السياسية والعلاقة بين السلطات في الأردن. حتى جاء عام ١٩٨٤ ليشهد استئنافًا جزئيًا للبرلمان عبر انتخابات تكميلية، قبل أن تعود الديمقراطية بكاملها في انتخابات ١٩٨٩ التي اتسمت بحماس شعبي ومشاركة واسعة، وأعادت الثقة بالعملية السياسية، بعدما كان المجلس الوطني الاستشاري قد هيأ المناخ لعودة تدريجية لحياة برلمانية أكثر استقرارًا.
اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود، يواجه الأردن تحديات جديدة في العمل السياسي والنيابي، كادت تؤدي مع أوضاع المنطقة إلى عزوف يوصل لفراغ نتاج غياب القوى السياسية الفاعلة، إلى أن أطلقت القيادة الأردنية بأمر ملكي من جلالة الملك عبدالله الثاني برنامجًا وطنيًا للتحديث السياسي أسفر عن مجموعة من الإصلاحات الانتخابية التي عززت حضور الأحزاب وفتحت المجال أمام الشباب والنساء، ورغم التقدم في بنية القوانين، لكن ترسيخ الثقة يحتاج إلى خطوات حقيقة وأداء نيابي يلمس الناس أثره في حياتهم اليومية.
استدعت ضرورات السبعينيات حلاً استثنائيًا لضمان الاستقرار عبر إنشاء المجلس الوطني الاستشاري، كما أدت تحديات اليوم إلى التفكير بمنظومة التحديث السياسي لتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية وتعزيز الثقة في العملية السياسية. وفي الحالتين، تُظهر التجربة الأردنية أن المرونة السياسية وإيجاد البدائل هي مفتاح تجاوز الأزمات وبناء الثقة، وهو الأمر الذي يزيد على عاتقنا نحن أبناء هذا الوطن مسؤلية الانتماء الحقيقي الفاعل الذي نضع به مصلحة الوطن أولوية وأمانة. كما يزيد ذلك الحاجة إلى أن يصبح ضمان الحريات العامة في أعلى مستوياتها شرطًا أساسيًا لجذب الشباب والأحزاب، بعيدًا عن أي رسائل أو ممارسات تحبط انخراطهم أو تقلل من إيمانهم بجدوى المشاركة، فالمبادرات لا تمضي إلا بضمانات يلمس أثرها المواطن، عبر تحفيز الحياة الحزبية لا فرضها بصورة فجائية أشبه بالإكراه، وعبر ضبط المشهد الإعلامي دون التضييق على حرية النشر والكتابة، وحماية شعرة التوازن بين الضبط والحرية.
والأردن، بتجربته السياسية الخاصة، لا يغلق باب الحوار في الأزمات ولا يقطع السبل أمام البحث عن حلول، ويقوم كل اعوجاج إن وجد دون التخلي عن الفكرة الأساس: أن قوة الأردن هي الأساس، وأن الإيمان بهذه القوة لا تهزه الظروف، فالإصلاح اليوم ليس ترفًا ولا فائض وقت، بل هو واجب وحق ومسؤولية، وسبيلنا لترسيخ مؤسسات قوية، وضمان أن يبقى الأردن قوياً وسط كل ما يعصف في المنطقة، في ظل قيادة تؤمن بالمرونة وفتح الآفاق، وشعب مهما اشتدت التحديات، سيظل ثابتًا على العهد والانتماء.