التعديل بين الشكل والمضمون
م. موسى عوني الساكت
10-08-2025 12:09 PM
مع كل تعديل وزاري نُمني النفس بأن تكون بداية حقيقية للإصلاح ويعالج التحديات المتراكمة بجرأة ووضوح، إلا أن الواقع لا يزال يؤكد أن التعديلات لا تتجاوز كونها محاولة لإطالة عمر الحكومة، أو إعادة ترتيب المشهد سواءً السياسي او الاقتصادي، دون أن تمس جوهر الخلل.
من الناحية الشكلية، وبعد أكثر من أحد عشر شهرًا على تشكيل الحكومة الحالية، يمكن القول إن الحكومة نجحت في “ترتيب الملفات” وتنظيم شكل العمل الرسمي، بدءاً من الملف الإعلامي الذي شهد تحركات منظمة، ومروراً بالملف الاقتصادي، وانتهاء بالملف الإداري الذي شُغلت فيه مواقع بأسماء ذات كفاءة.
كما لا يمكن إغفال الجولات الميدانية لرئيس الوزراء د.جعفر حسان، التي تحاول إظهار تواصل مباشر مع المواطنين وهذا شيء جيد ومحمود.
لكن، هل يكفي التجميل الخارجي إذا بقي جوهر الخلل على حاله؟
الواقع أن الإنجاز الحقيقي لا يُقاس بعدد إلاّ بالمخرجات الملموسة على الأرض. وعند مراجعة المؤشرات الاقتصادية الحقيقية التي تعتمدها الدول لقياس التقدم، من معدلات النمو والاستثمار والتشغيل والتضخم، نجد المخرجات ما زالت متواضعة وبعيدة جدا من الطموح.
السبب في ذلك، في رأيي، لا يكمن في السياسات وحدها، بل في غياب “المساءلة” وتجاهل القاعدة الذهبية لأي إصلاح: “وضع الشخص المناسب في المكان المناسب”. لا تزال المناصب تُمنح وفقاً لمعادلات غير واضحة، يُغلب فيها التوازن السياسي أو الاجتماعي على الكفاءة. ولا تزال المواقع الحيوية تُدار بعقلية إدارية لا تتماشى مع متطلبات المرحلة، التي تحتاج إلى قيادة اقتصادية حقيقية قادرة على اجتراح الحلول لا إدارة الأزمة فقط.
التعديل وحده لا يكفي ما لم يكن مبنياً على تقييم علمي وشجاع لأداء الفريق الوزاري. وما لم تُفَعَّل أدوات الرقابة والمحاسبة الجادة، فإن التعديلات المتكررة ستبقى تغييرات شكلية تُستهلك في الإعلام، دون أن تحدث فرقاً حقيقياً في حياة المواطن.
إننا بحاجة إلى مراجعة حقيقية لمنهج إدارة الدولة، تستند إلى الكفاءة، وتُخضع الأداء للمساءلة، لا للمجاملة. أما الاستمرار في نهج “التعديل بلا مساءلة”، فلن يؤدي إلا إلى مزيد من الدوران في الحلقة المفرغة ذاتها.