دمشق - قسد .. تصعيد مرتقب
د. ذيب القراله
10-08-2025 12:12 PM
يبدو ان تطورات الاوضاع في الاقليم تتجه نحو التصعيد في اكثر من ساحة،، فمن خطط نتنياهو لاحتلال غزة ، وما يترتب على ذلك من استمرار حرب الابادة قتلا وتدميرا وتجويعا وصولا الى التهجير ،، الى النار التي تغلي تحت مرجَل لبنان ، على خلفية قرار نزع سلاح حزب الله، وصولا الى الساحة السورية التي تشهد منذ ايام تصعيدا لافتا في شكله ومضمونه وادواته.
ففي الوقت الذي كانت الانظار متجهة فيه الى لقاء باريس المنتظر ، بين الحكومة السورية - ومجلس سوريا الديمقراطية ( قسد ) الذي يشكل الاكراد عموده الفقري،، جاء ( مؤتمر الحسكة ) ليُعيد خلط الاوراق ، ويعمق الازمة القائمة بعد ان اعلنت دمشق عن الغاء اجتماعات باريس ، وهاجمت المؤتمر والمشاركين فيه ، وشككت باهدافهم وارتباطاتهم ووصفت بعضهم بانهم ( انفصاليون).
اهمية مؤتمر الحسكة تكمن في حجم وتأثير وتنوع الاطراف المشاركة فيه ، اذ انها ضمت خليطا من مختلف انحاء الجغرافيا السورية ، فالى جانب الاكراد كان هناك ممثلون عن العشائر العربية والارمن والتركمان والشركس والمسيحيين ، والعلويين في الساحل ، والدروز في السويداء، ولذلك ، وصَف البعض المؤتمر بانه ( حلف الاقليات).
تقريب المسافات بين دمشق وقسد اصبح بعد المؤتمر اكثر صعوبة ، في ضوء تباعد الاهداف والمواقف بين الجانبين، ففي حين كانت ( قسد ) تفاوض دمشق من جغرافيا شمال شرق البلاد، اصبحت الآن مدعومة - سياسيا على الاقل - من اطراف اخرى تمتد من الساحل وحتى الصحراء ، وبعضها يقبع في قلب دمشق بحسب بيان مجهول المصدر ، اكد دعمه لمخرجات المؤتمر.
دمشق وقسد - تتحدثان - اعلاميا - عن ضرورة الدولة الواحدة الموحدة ، والحوار السوري - السوري ، واهمية الامن والاستقرار ، لكن عند الدخول في التفاصيل ، نلحظ ان الثقة مفقودة بين الجانبين ، وان تفسير العناوين الكبيرة تنطلق من رؤى مختلفة لدى الطرفين ، ففي الوقت الذي يؤكد فيه الجانبان اهمية دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن وزارة الدفاع ، يختلفان بشكل جذري حول شكل هذا الدمج ، وبينما يتحدثان عن اهمية المكون الكردي ، تتباين مواقفهما بشأن مدى وآفاق ( الخصوصية) التي يمكن ان يتمتع بها وتثبيتها في الدستور .
وفي حين تعتبر ( قسد ) ان تجربتها في ( اللامركزية ) تجربة رائدة تستحق التعميم في بعض المناطق السورية الاخرى ، ترى دمشق ان هذه التجربة هي اول مدماك في مشروع ( التقسيم) وتقر بانها مع لامركزية ( ادارية ) وليس ( سياسية).
وبعد ساعات من انتهاء مؤتمر الحسكة انفجرت في حضن دمشق قنبلة اخرى ، تمثلت في البيانات المتزامنة التي اصدرها شيوخ العقل للطائفة الدرزية ( الشيخ الهجري والشيخ الحناوي ) والتي انتقدت دمشق وطالبت بتحقيق دولي لما جرى في السويداء ، وذلك بالتزامن مع دخول مجلس الامن على خط الازمة ، مما يعني عمليا ( تدويل ) ازمة السويداء ، وخسارة دمشق لمعظم حلفائها من الدروز.
العامل الخارجي يبقى ضاغطا في ملف دمشق - قسد ، فكما كان الدور الاسرائيلي - ولا زال - مؤثرا وفاعلا في ازمة السويداء ،، نجد ان تركيا تضغط على عاصمة الامويين لكي لا تقدم اية تنازلات مع الاكراد ( اعداء انقره ) ، وبعض الدول الاوروبية، وتحديدا فرنسا تتخذ مواقف ( رمادية ) تؤهلها للقيام بدور الوساطة بين الادارة الذاتية ، والحكومة المركزية، والولايات المتحدة تمسك العصا من المنتصف ، فهي تؤيد دمشق ، وتدعم الاكراد في نفس الوقت ، وترصد لقوات قسد موازنة ودعما ماليا في العام المقبل.
الغائب الوحيد في ازمة قسد - دمشق ، ومن قبلها ، ازمتي الساحل والسويداء ، هو ( الدور العربي ) المؤثر ، الذي من المفترض ان يكون ( بيضة القبان ) سواء على مستوى الدول المعنية منفردة، او عبر مؤسسة العمل العربي المشترك ( الجامعة العربية).
ولذلك فانه في ظل استمرار صراع النفوذ الاقليمي والدولي في الساحة السورية، وفقدان الثقة، بين المركز وباقي المكونات ( الدروز والاكراد والعلويين والمسيحيين ) وغياب الدور العربي الموحد الفاعل، وتردي الاوضاع الاقتصادية ، وتوفر ٢٠ مليون قطعة سلاح على الارض السورية، تبقى الاوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات، مع ما يحمله ذلك من اخطار على مستقبل سوريا الجديدة ، واستقرار دول الجوار ، وعلى الامن القومي العربي بمفهومه الواسع.
theeb100@yahoo.com