أنس .. الرصاصة التي فضحت الصمت
د. هاني العدوان
11-08-2025 11:56 AM
أنس جمال الشريف.... احفظوا اسمه كما تحفظون اسم فلسطين، أنس صحفي لكنه كان جبهة بكل ما للكلمة من معنى حمل كاميرته كما الأبطال في ساحات الوغى، وقف في قلب العاصفة ليروي للعالم قصة غزة، ويكشف وجه الاحتلال الدموي القبيح
اغتاله الكيان الغاصب لأنه يخاف الصورة أكثر من الرصاصة، ويخشى الكلمة أكثر من الدبابة
اغتاله لأنه كشف الحقيقة التي لا يريدها أحد أن تُسمع
عرف أن رصاصهم سيصيب جسده، لكن روحه بقيت شامخة، تحرس الحقيقة حتى اللحظة الأخيرة، حتى صار اسمه عنوان الشرف والبطولة
أنس لا يحمل بندقية، ولا يحتمي خلف متاريس الحرب، بل كانت كاميرته وميكروفونه سلاحه ودرعه، وكانت كلماته صورا لا تمحى، تكشف زيف الاحتلال، وتفضح قسوته التي تنهش أجساد الأطفال وتحرق قلوب الأمهات
في وصيته، لم يطلب مالا أو مجدا، بل أوصى بفلسطين، بالقدس، بغزة، بأطفالها الذين حُرموا حتى من أحلامهم
أوصى ألا تكسرنا القيود، ولا توقفنا الحدود، وأن نظل جسورا تمتد نحو الحرية، وأن لا نخذل الأرض التي سقيناها بدماء الشهداء
أيها العرب، أيها المسلمون، أيها الأحرار في كل مكان
كم أنسا يجب أن يُقتل حتى تستيقظ ضمائرنا
كم طفلا يجب أن يُدفن تحت الركام وأنتم تتجادلون في المؤتمرات
كم بيتا يجب أن يُهدم، وكم مسجدا يُدمر حتى تدركوا أن فلسطين ليست قضية فلسطينية فقط، بل امتحان شرف لكل واحد منا
الكيان قتل أنس بدم بارد، وقتل فينا ما تبقى من خجل وكرامة
وأميركا كما مولت صواريخ القتل، مولت صمت العالم أمام هذه الجرائم
أما العرب، بعضنا صامت، وبعضنا يوقع صفقات، وبعضنا شامت، بينما تُسحق غزة
وصية أنس ليست مجرد صرخة في وجه الصمت، بل هي وصمة عار لن تمحى من جبين هذه الأمة النائمة.
أين مجدها، أين رجالها وأبطالها، أين وا معتصماه الذين يفجرون ثورات العدل والكرامة
وصية أنس ستبقى شاهدة خالدة في تاريخ أمة خانت دماء أبنائها، كما خلدت جرائم المغول ومن تآمر معهم على أبناء جلدتهم
هي إنذار لكل من يبرر الصمت، ولكل من يبيع الضمير بثمن رخيص، فالتاريخ لن يغفر، والضمير لن ينام إلى الأبد
هي نداء لكل ضمير حي، لكل يد لا تريد أن تُكبل، ولكل صوت يرفض أن يُشترى أو يُخمد
أيها العالم الذي يعانق الحرية بالكلام، دم أنس الشريف في عنقك إلى يوم يبعثون
إن كان الصحفي يُقتل لأنه كشف الحقيقة، فما قيمة مواثيقكم
وإن كان الطفل يُسحق لأنه وُلد في غزة، فما قيمة إنسانيتكم المزيفة
أنس جمال الشريف قتله الكيان، خانته الأمة، وصمت عليه العالم
لكن دمه سيبقى لعنة على القتلة، وعلى كل من دعمهم أو تواطأ معهم أو سكت عنهم
ستظل صورته خنجرا في خاصرة الاحتلال، وكلماته نارا في قلوب الصامتين، حتى ينهض جيل لا يخاف، ويأخذ بثأره وثأر فلسطين كاملا من البحر إلى النهر
إلى رحاب الله يا أنس وجنة عرضها السماوات والأرض