في وطني الحلم لا يموت فجأة بل يستنزف ببطء تحت مطارق الروتين وبين فكي المحسوبيات وعلى طاولات لجان لا تعرف معنى العدل هناك من ينتظر وظيفة شريفة منذ عشرين عامًا يتابع كل إعلان يجتاز كل امتحان يتهيأ لكل مقابلة يحمل أملا يوازي صبره ويواجه حياة تزداد قسوة كل يوم على أمل أن يجد بابًا يفتح في وجهه ويعيد له شيئًا من كرامة أرهقتها الحاجة
لكن في لحظة يكتشف أن الأمر ليس كما قيل له النجاح في الامتحان لا يكفي والتفوق في المقابلة لا يشفع لأن أسماء أخرى — بنت فلان وقريبة علان وصديقة مسؤول — تتجاوزك وكأنك غير موجود يقال لك لم يحالفك الحظ بينما الحقيقة أن الحظ لم يكن طرفا في اللعبة منذ البداية بل كانت اللعبة محكومة منذ اللحظة الأولى بمن يملك النفوذ والواسطة والقدرة على اختراق النظام
في القصة التي وصلتني المتقدمة نجحت في الامتحان والمقابلة وكانت مؤهلة أكثر من بعض المعينين الذين حصلوا على علامات أدنى منها بكثير لكنها وجدت نفسها خارج قائمة التعيين عشرون عامًا وهي تنتظر عشرون عامًا وهي تحلم عشرون عامًا وهي تبني أملًا في أن تعبها وسهرها ودراستها لن تضيع هباء ثم جاء القرار ليذبح الحلم أمام عينيها بدم بارد وكأن العمر كله كان مجرد مزحة ثقيلة
أي رسالة نوجهها لأبنائنا وبناتنا حين يرون أن الكفاءة آخر ما ينظر إليه وأي مستقبل نبني حين نعلمهم أن الجهد والمثابرة قد يهزمان أمام الواسطة وأي ولاء نطلب من شبابنا ونحن نحرمهم من حقهم المشروع بعد كل هذا الصبر والانتظار ألسنا بذلك ندفعهم دفعًا إلى اليأس ألسنا نحطم داخلهم الثقة بالوطن وبالمؤسسات التي يفترض أن تكون حامية للعدالة
إن هذه ليست مجرد حالة فردية بل مرآة لخلل عميق في إدارة التعيينات والفرص في هذا الوطن وإذا كانت القوانين والامتحانات والمقابلات ليست سوى واجهة شكلية فلماذا نخدع الناس ونضيع أعمارهم ونرغمهم على أن يعيشوا سنوات طويلة في وهم أن هناك عدل وأن هناك تكافؤ فرص بينما الحقيقة عكس ذلك
آن الأوان أن نقول بصوت عال كفى تبديدا لأحلام الناس كفى إهانة لكرامة المواطن كفى محسوبيات فالأوطان التي تكسر أحلام أبنائها تزرع في قلوبهم اليأس واليأس أخطر من أي أزمة اقتصادية أو تحد سياسي واليأس إذا استوطن النفوس يفتح أبواب الهجرة والانكسار واللامبالاة
تم ارسال الاستدعاء لكل من دولة الرئيس الوزير والأمين العام للشؤون الإدارية والمالية ولا أحد يجيب وهي تستغيث فالغريق يتعلق بقشة والسكوت على هذا الظلم يعني أن هناك من يريد أن يطفئ آخر شمعة أمل في قلب مواطن صابر مؤمن بعدالة قضيته لكن يبدو أن الصبر وحده لا يكفي في زمن يعلو فيه صوت الواسطة على صوت الحق.
حفظ الله الأردن، وحفظ الله جلالة الملك عبدالله الثّاني ابن الحسين وولي عهده الأمين.