facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التعليم العالي الأردني… منجزات تستحق الإنصاف قبل الانتقاد


أ. د. هاني الضمور
12-08-2025 05:15 PM

في السنوات الأخيرة، صار التعليم العالي الأردني موضوعاً دائم الحضور في النقاشات العامة، وأحياناً في حملات السخرية على وسائل التواصل الاجتماعي. الكل يتحدث عنه، من المتخصص إلى غير المتخصص، وكأن عقوداً من العمل والإنجاز يمكن اختصارها في جملة عابرة أو موقف جزئي. يُطلق البعض أحكاماً عامة، ويعممون الأخطاء الفردية على المنظومة كلها، متناسين حجم التغيير الذي شهدته الجامعات الأردنية منذ نشأتها حتى اليوم.

لكن حين نضع الانفعالات جانباً، وننظر إلى الصورة الكاملة، نجد أن منظومة التعليم العالي في الأردن، رغم ما يواجهها من تحديات، حققت قفزات مهمة على صعيد التوسع، والتنويع، والبحث العلمي، والانفتاح الدولي. هذه القفزات لم تأتِ من فراغ، بل هي ثمرة عمل جماعي متواصل، ورؤية وطنية سعت – وما تزال – إلى جعل الجامعة الأردنية ومثيلاتها فضاءات للعلم، والمعرفة، وخدمة المجتمع.

فمنذ تأسيس الجامعة الأردنية عام 1962، توسعت خارطة التعليم العالي لتشمل جامعات حكومية وخاصة منتشرة في مختلف المحافظات، ما أتاح فرصاً تعليمية لعشرات الآلاف من الطلبة من مختلف الخلفيات الاجتماعية والجغرافية. لم يعد الطالب مضطراً لترك مدينته أو قريته بحثاً عن تخصص جامعي، وصار بإمكانه اختيار من بين عشرات البرامج الأكاديمية التي تغطي مجالات الطب، والهندسة، والتكنولوجيا، والعلوم الإنسانية، والفنون.

في العقدين الأخيرين، شهد البحث العلمي الأردني تطوراً ملحوظاً، تمثل في زيادة أعداد الأبحاث المنشورة في مجلات علمية محكّمة، وافتتاح مراكز بحثية متخصصة في مجالات مثل الطاقة المتجددة، والمياه، والصحة العامة، والذكاء الاصطناعي. كما شاركت الجامعات الأردنية في مشاريع بحثية إقليمية ودولية، وحصل باحثون أردنيون على جوائز وتكريمات في محافل علمية عالمية. هذه النجاحات تثبت أن الأردن، رغم محدودية موارده، يمتلك كفاءات بشرية قادرة على المنافسة والإبداع.

أما على صعيد تجربة الطالب الجامعي، فقد تحوّلت الجامعات إلى بيئات أكثر حيوية وانفتاحاً، توفر للطلبة أنشطة ثقافية ورياضية وفنية، إضافة إلى نوادٍ طلابية، وحاضنات أعمال، ومسابقات ابتكار، ومبادرات مجتمعية. هذه الأنشطة أسهمت في صقل شخصية الطالب، ومنحته مهارات حياتية ومهنية إلى جانب المعرفة الأكاديمية.

ومع ذلك، يختار البعض أن يختصر المشهد في حادثة أو قرار أو سياسة مثيرة للجدل، ويتجاهل ما تحقق على مدى سنوات. نعم، هناك تحديات حقيقية، من بينها ضرورة تحسين جودة بعض البرامج، وتعزيز مواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل، وإعادة النظر في سياسات القبول والتمويل. لكن النقد هنا يجب أن يكون من أجل الإصلاح والبناء، لا من أجل الإحباط أو التشويه.

من حقنا أن نطالب بسياسات أكثر مرونة، وباستثمار أكبر في البحث العلمي، وباستراتيجيات أوضح للتدويل واستقطاب الكفاءات. لكن من واجبنا أيضاً أن ننصف الجهود القائمة، وأن ندرك أن الجامعات الأردنية تعمل في بيئة اقتصادية وضغوط مالية ليست سهلة، ومع ذلك تواصل تقديم التعليم لمئات الآلاف من الطلبة، وتحافظ على سمعة أكاديمية محترمة على مستوى المنطقة.

هنا، يطرح السؤال نفسه لكل من يوجّه سهام التنمر أو التحقير إلى التعليم العالي الأردني: لماذا نغفل عن الإنجازات ونركز فقط على الإخفاقات؟ ولماذا نختصر تاريخاً من العمل الأكاديمي في مواقف فردية أو قرارات قد نختلف حولها؟ أليس من العدل أن نعترف بما تحقق قبل أن نطالب بالمزيد؟

النقد البناء هو جزء من أي عملية تطوير، وهو مطلوب وضروري، خاصة إذا كان مبنياً على فهم الواقع واستيعاب السياق المحلي والعالمي. لكن النقد الذي يكتفي بتضخيم السلبيات، ويتجاهل النجاحات، يتحول إلى خطاب سلبي لا يفتح باب الإصلاح، بل يغلقه.

اليوم، التعليم العالي الأردني أمام مفترق طرق. لدينا قاعدة صلبة من الجامعات، وكفاءات بشرية، وتجارب ناجحة، ولدينا أيضاً تحديات تحتاج إلى شجاعة وابتكار لمعالجتها. الجمع بين الاعتراف بالمنجز، والعمل على تجاوز النواقص، هو السبيل لبلوغ ما نصبو إليه. أما الاكتفاء بالتهكم، فهو يختزل الحوار في دائرة مفرغة من الإحباط.

قد نختلف حول بعض السياسات، وقد نتباين في تحديد الأولويات، لكننا لا نختلف على أن التعليم العالي الأردني كان ولا يزال أحد أعمدة الدولة الحديثة، وأداة لصنع الكفاءات التي أسهمت في بناء مختلف القطاعات. من هنا، فإن واجبنا كمجتمع أن ندعم هذه المنظومة، ونمدها بالنقد الإيجابي والأفكار التطويرية، لا أن نتركها فريسة لخطاب التعميم السلبي.

التعليم العالي في الأردن ليس مجرد مؤسسات تمنح الشهادات، بل هو منظومة تصنع المستقبل. وإذا كنا نريد لهذا المستقبل أن يكون أفضل، فعلينا أن ننظر إلى الصورة كاملة، وأن نرى في جامعاتنا شريكاً في التنمية، لا مجرد موضوع للسخرية العابرة. فالتغيير يبدأ من احترام المنجز، والعمل على تعزيزه، وليس من هدمه بالكلمات.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :