ميادين إربد بين ذاكرة المدينة وحق أبنائها في التخليد
د. حمزة الشيخ حسين
15-08-2025 10:51 AM
إربد، المدينة العريقة بتاريخها وأصالتها، حملت على مدى قرون هوية واضحة شكلتها عائلاتها القديمة وأبناؤها المخلصون. اليوم، ونحن نتجول في شوارعها وميادينها، نصطدم بأسماء لا تمتّ بصلة لهذه الأرض، ولا تعكس ذاكرة المدينة أو إرثها الاجتماعي والثقافي.
إن تسمية الشوارع والميادين ليست مجرد إجراء إداري، بل هي عملية توثيق للهوية وحفظ للتاريخ. فكيف يُعقل أن تُمنح أماكن بارزة في قلب إربد أسماء أشخاص أو جهات لم يقدموا شيئًا يُذكر لخدمة المدينة، بينما تُهمّش أسماء العائلات التي عاشت في إربد قبل نشوء إمارة شرق الأردن بأزمنة طويلة، وشاركت في بناءها وحماية نسيجها الاجتماعي؟.
من المؤسف أن نجد بعض الميادين والشوارع تحمل أسماء وافدين قدموا إلى الأردن في ظروف استثنائية، كنكبتي 1948 و1967 أو نزوح من دول عربية أخرى، دون أن نرى تمثيلًا متوازنًا لأبناء إربد التاريخيين. هذا الأمر يطرح تساؤلات حول فلسفة التسمية، وأحقية أبناء المدينة الأصليين في تخليد أسمائهم، خاصة أن منح اسم شارع أو ميدان هو نوع من التكريم الرسمي والاعتراف بالعطاء.
لسنا هنا بصدد إنكار حقوق أي مواطن أو التقليل من شأن أي مكوّن وطني، فالأردن احتضن الجميع. لكن التوطين المعنوي عبر أسماء الشوارع والميادين لا يجب أن يتم على حساب هوية المدينة وأصالة أهلها. بلدية إربد مدعوة اليوم لإعادة النظر في معايير التسمية، ووضع ضوابط تضمن أن تكون أسماء الأماكن انعكاسًا حقيقيًا لتاريخ المدينة ورموزها، لا وسيلة لطمس هوية المجتمع المحلي أو إضعاف ارتباطه بجذوره.
إن تخليد أبناء إربد المخلصين، الذين بنوا مؤسساتها وحافظوا على أمنها ونمائها، ليس ترفًا، بل واجب وطني وأخلاقي. فالميادين ليست حجارة وإسفلتًا، بل صفحات من كتاب المدينة، والأسماء التي تُكتب عليها ستبقى شاهدًا على من صنعوا تاريخها..