facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الفن والسياسة


فيصل سلايطة
16-08-2025 12:53 PM

منذ بدايات القرن العشرين وحتى اليوم، لم يكن الفن العربي مجرد مساحة جمالية أو ترفيهية، بل كان ولا يزال ساحة سياسية بامتياز. فالفنان في العالم العربي غالبًا ما يجد نفسه جزءًا من خطاب سياسي أو أداة في معركة هوية، سواء أراد ذلك أم لا. بين صوت أم كلثوم الذي صار رمزًا لمصر الناصرية، وموقف أصالة نصري المعارض للنظام السوري، وتجربة فضل شاكر المثيرة للجدل، وصولًا إلى رمزية دريد لحام وماجدة الرومي، يمكن أن نقرأ كيف شكّل الفن رافعة سياسية أو عبئًا على أصحابه.

فضل شاكر
حين يبتلع الموقف السياسي الصوت الغنائي !

قصة فضل شاكر تعد من أوضح الأمثلة على كيف يمكن للسياسة أن تلتهم رصيدًا فنيًا كبيرًا. فالفنان الذي ملأ الساحة الغنائية بأغانٍ عاطفية خفيفة ساحرة تحوّل في سنوات الأزمة السورية إلى صوت مؤدلج يناصر تيارًا متشددًا. هنا انقلبت صورته من "فنان الحُب" إلى "الفنان المقاتل"، الأمر الذي عزل فنه عن جمهوره. اليوم، وبعد محاولات العودة عبر الأغنيات الرومانسية، لا يزال فضل شاكر يواجه صعوبة في استعادة مكانته، إذ أن صورته السياسية طغت على أرشيفه الفني.

تجربة فضل في المحصلة مريرة تؤكد أن السياسة إذا استهلكت الفنان، لا تترك له مجالًا لاستعادة براءته الأولى...مهما كان صوته ساحرا!

أصالة نصري
من ابنة النظام المدللة إلى أيقونة المعارضة

أصالة نصري كانت ابنة النظام السوري في بداياتها، فقد انطلقت من دمشق تحت رعاية رسمية، وغنت في محافل الدولة، وكانت حاضرة في الوجدان الجمعي السوري والعربي. لكن مع اندلاع الثورة السورية، أعلنت موقفًا صريحًا ضد السلطة الدموية . هنا دفعت ثمنًا باهظًا: خسرت جمهورًا عريضًا، مُنعت من العودة إلى بلدها، وتعرضت لهجوم إعلامي عنيف.

ورغم كل الخسائر، فإن أصالة صمدت عبر قوتها الفنية. استمرت في الإنتاج، وفي الظهور في عواصم عربية أخرى، حتى صارت رمزًا لفنانة "دفعت الثمن لكنها لم تُكسر"....فهرب الاسد و تداعت امبراطوريته و بقيت حنجرتها !

المفارقة أن حضورها اليوم في بيروت وعمّان أكبر مما كان عليه قبل سنوات و بحفاوة شديدة، وكأن الزمان منحها شرعية جديدة. هنا يمكن قراءة الرسالة الرمزية: الفن قد يسبق السياسة أحيانًا، ويكشف أن المصالحة الشعبية مع المواقف الجريئة ممكنة حتى إن تأخرت...و أن الاردن و لبنان يبعثان من خلالها رسالة إلى دمشق الجديدة..." أهلا بكِ يا شام "...

دريد لحام
"فنان في خدمة الدولة"

دريد لحام، الذي اشتهر بشخصية "غوار الطوشة" وأعمال مسرحية لاذعة ضد الفساد والظلم، ظل خلال الحرب السورية قريبًا من النظام. هذا الاصطفاف حوّله من فنان نقدي ساخر إلى مدافع عن السلطة في نظر كثير من السوريين. المفارقة أن أعماله القديمة التي انتقدت التسلط والفساد ظلت خالدة، بينما مواقفه السياسية الأخيرة أثارت انقسامًا حادًا حوله. تجربته تطرح سؤالًا أعمق: هل يمكن للفنان أن يحافظ على استقلاليته إذا ارتبط بالدولة؟

يبدو أن الإجابة تكشفها حالة دريد لحام الذي بقي محبوبًا في ذاكرة الماضي، لكنه خسر بريق الحاضر.

أم كلثوم: الفن كقوة ناعمة للدولة

أم كلثوم تمثل التجربة الأكثر اكتمالًا في الجمع بين الفن والسياسة. فصوتها لم يكن مجرد غناء؛ بل كان أداة سياسية في يد الدولة المصرية. حفلاتها في باريس ولندن والعواصم العربية لم تكن مجرد عروض فنية، بل جولات دبلوماسية عززت صورة مصر الناصرية.

أغنياتها الوطنية مثل "أصبح عندي الآن بندقية" كانت خطابًا سياسيًا يوازي خطابات عبد الناصر. هنا يظهر وجه آخر للعلاقة بين الفن والسياسة: حين يلتقي صوت قوي مع مشروع سياسي واضح، يمكن أن يتحول الفنان إلى رمز جامع لا ينحصر في حدود بلده، بل يتجاوزها إلى العالم العربي كله.

ماجدة الرومي.....الحياد الراقي وصوت الوطن

تجربة ماجدة الرومي مختلفة عن كل ما سبق. فهي لم تنخرط في صراع مباشر مع السلطة أو المعارضة، لكنها حملت خطابًا وطنيًا وإنسانيًا متوازنًا. في لبنان الممزق سياسيًا، اختارت أن تغني للوطن والهوية، لتبقى في مساحة جامعة. وهذا ما منحها مكانة خاصة: فهي لم تسقط في فخ الاصطفاف، ولم تفقد صدقيتها إلا في نظر البعض...

إن السياسة في حالة ماجدة كانت خلفية هادئة لمواقفها، لا عنوانًا بارزًا كما في تجربة أصالة أو فضل شاكر.

بين السقوط والصمود: أي علاقة للفن بالسياسة؟

التجارب السابقة تكشف عن معادلة معقدة:

حين يغدو الفنان أسير السياسة (كما فضل شاكر أو دريد لحام)، يخسر جزءًا من حريته وصورته.

حين يختار المواجهة المباشرة (كما فعلت أصالة)، يدفع ثمنًا قاسيًا لكنه قد يحافظ على مكانته على المدى الطويل كرمز واجه طاغية.

حين يتحول الفن إلى أداة دولة قوية (كما أم كلثوم)، يصبح الفنان شريكًا في صناعة الذاكرة الوطنية...و أحيانا يلام من المعارضة...

وحين يختار الحياد الوطني الجامع (كما ماجدة الرومي)، ينجو من تقلبات الصراع السياسي...حتى و إن خانه التعبير.

الفن والسياسة في العالم العربي علاقة متشابكة لا يمكن فصلها. بعض الفنانين ينهارون تحت ثقل الموقف السياسي، وآخرون ينجحون في تحويله إلى رصيد إضافي. أصالة نصري اليوم تجسد صورة الفنانة التي انتصرت رغم الخسائر، لتؤكد أن الموقف الحر يخلّد صاحبه حتى لو دفع ثمنه حاضرًا ، فاليوم أغلب من يعارضون مشروعها الفني ينظرون له من منظور السياسة .

فضل شاكر يبرهن على أن الانغماس الكامل في السياسة قد يمحو صوتًا جميلاً. دريد لحام مثال على تحوّل الفنان من رمز للناس إلى صوت للسلطة. أما أم كلثوم وماجدة الرومي فهما صورتان متناقضتان: الأولى جسدت قوة الدولة عبر الفن، والثانية جسدت قوة الفن في تجاوز السياسة.

في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل على الفنان أن ينأى بنفسه عن السياسة ليحمي فنه، أم أن الفن بلا موقف يفقد جوهره؟

يبدو أن الإجابة تختلف باختلاف التجربة، لكن الأكيد أن التاريخ لا يرحم، والجمهور هو الحكم الأخير.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :