الولائم في زمن الجوع… بين الكرم الحقيقي والمباهاة الفارغة
د. حمزة الشيخ حسين
17-08-2025 09:34 AM
في زمنٍ يئن فيه أطفال غزة من الجوع، وتقبض فيه ملائكة الرحمن أرواحاً بريئة أنهكها الحصار، تطالعنا بعض المجتمعات العربية والإسلامية بمشاهد ولائم ضخمة تُقام علناً، ويُدعى إليها الأثرياء، ثم تُوثَّق بالكاميرات وتُوزَّع على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار “الكرم والضيافة”.
لكن أيّ كرمٍ هذا الذي يُقاس بعدد “المناسف” وكمية اللحوم المستوردة؟ وأي فخرٍ يُنتظر من نشر صور أطباق الأرز المزينة بقطع لحم لا تتجاوز كونها مجرد واجهة؟ الكرم، كما عرفته أمتنا منذ القدم، ليس في إشباع بطون الشبعانين، ولا في المباهاة على صفحات “الفيسبوك” و”إنستغرام”، بل في ستر الفقير، ومواساة المحتاج، ومد يد العون للمكلوم.
لقد فقدت بعض مظاهر الولائم معناها النبيل، وتحولت إلى منافسة في التباهي، بينما الأمة تعيش في زمن ذلٍّ غير مسبوق. ملايين اللاجئين في المخيمات، ودموع أمهات غزة اللواتي لا يجدن كسرة خبز لأطفالهن، تصفع ضمائرنا كل يوم، بينما تُنفق الأموال الطائلة على مشاهد لا تُسعد ملكاً ولا ملاكاً.
إن الكرم الحقيقي ليس صورة “منسف” تُشارك على وسائل التواصل، ولا إعلاناً عن وليمة كبرى يتصدرها كبار الأثرياء. الكرم أن يخرج المال في صمت ليصل إلى يد يتيمة أو معدم. الكرم أن تتحول “الخراف المشوية” التي نضعها للتزيين إلى شحنات غذاء تعبر الحصار.
في أوقات كهذه، يصبح التباهي بالمظاهر المترفة جرحاً في جسد الأمة، ورسالة قاسية لذوي البطون الخاوية: أنكم خارج المشهد. وإن كان بعضهم يرى في ذلك “كرماً”، فإنه أقرب إلى الاستعراض منه إلى المروءة، وأبعد ما يكون عن القيم الإسلامية التي جعلت من إطعام الجائع قربةً إلى الله.
اليوم، نحن أمام مفترق طرق: إما أن نستعيد معنى الكرم كما علّمنا إياه النبي ﷺ “أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم”، أو نواصل الغرق في بحر المباهاة، حتى نصبح أمةً غنية بالصور والفيديوهات… فقيرة بالرحمة..