facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




خدمة العلم… استعادة الروح وبناء المستقبل


أ. د. هاني الضمور
18-08-2025 10:53 AM

لم يكن تصريح سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، ولي العهد ونائب جلالة الملك، بشأن عودة خدمة العلم مجرد إعلان إداري أو خطوة عابرة في سياسات الدولة، بل كان بمثابة إعلان مرحلة جديدة تعيد صياغة العلاقة بين الأردن وشبابه. القرار جاء محمّلاً بمعانٍ استراتيجية تتجاوز حدود الخدمة العسكرية التقليدية، ليؤكد أن الوطن لا يبنى إلا بأبنائه، وأن مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية تبدأ من الإنسان الأردني نفسه، الواعي المنتمي القادر على حمل الرسالة.

خدمة العلم في الوجدان الأردني ليست ذكرى عابرة من الماضي، بل هي جزء من الهوية الوطنية، مدرسة خرجت أجيالاً أدركت أن الانتماء ليس شعارًا يرفع في المناسبات، بل سلوك يومي يتجذر بالانضباط والالتزام. اليوم، حين تعود الخدمة بروح جديدة، فإنها تعود كجسر يصل بين التاريخ والمستقبل، وبين القيم العسكرية والانفتاح المدني، لتمنح الشباب الأردني فرصة فريدة في أن يجسدوا روح التضحية وحب الوطن في حياتهم العملية والمهنية، لا في المعسكرات فقط.

القرار جاء في لحظة استثنائية، إذ يواجه الأردن محيطًا مضطربًا وضغوطًا سياسية واقتصادية غير مسبوقة. ومع ذلك، فإن الرهان لم يكن على الخارج، بل على الداخل، على طاقة شبابية تشكل الأغلبية السكانية، وقد تتحول إلى نقطة ضعف إن تُركت بلا هدف، أو إلى قوة صلبة إذا أحسن توجيهها. عودة خدمة العلم هي صياغة جديدة لهذه الطاقة، لتصبح أداة بناء للأمن الوطني وحافزًا للنمو الاقتصادي في آن واحد. فهي تجمع بين الانضباط العسكري الصارم، الذي يصقل الشخصية ويزرع روح المسؤولية، وبين التأهيل المهني والتقني، الذي يفتح أبواب سوق العمل ويعزز الإنتاجية. إنها صيغة معاصرة تضع الانتماء الوطني في قلب العملية التنموية.

الشاب الذي يلتحق بخدمة العلم اليوم لا يتدرب فقط على الانضباط والالتزام، بل يدخل تجربة تغير مسار حياته. فهو يتعلم أن الدفاع عن الوطن لا يقتصر على حمل السلاح، بل يشمل القدرة على خدمة المجتمع، والمشاركة في الاقتصاد، وبناء الذات بما ينسجم مع احتياجات الدولة الحديثة. ومن يخرج من هذه التجربة لن يكون مجرد فرد عادي في مجتمعه، بل سيكون ركيزة صلبة في بنيانه، أكثر إدراكًا لدوره، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات.

الأردن يعلن من خلال هذه الخطوة أنه لا ينتظر قرارات دولية ولا يعوّل على دعم خارجي بقدر ما يعوّل على أبنائه. فالمعادلة واضحة: الشباب هم خط الدفاع الأول عن الوطن، وهم كذلك خط الإنتاج الأول لمستقبله. في مواجهة أطماع الإقليمية وسياسات الاحتلال والضغوط الاقتصادية، تبدو خدمة العلم كرسالة مضادة تقول: قوتنا في وحدتنا، وأمننا في انتمائنا، واستقرارنا في وعي شبابنا.

المجتمع الدولي قد يراهن على ضعف الدولة الصغيرة في قلب الإقليم المضطرب، لكن تجربة الأردن أثبتت أن الصمود لا يقاس بمساحة الأرض ولا بعدد السكان، بل بقدرة الشعوب على أن تحوّل التحديات إلى فرص. وهنا بالضبط تكمن أهمية خدمة العلم، فهي مشروع استراتيجي لحماية الهوية الوطنية من التفتت، ولمواجهة محاولات العبث بعقول الشباب عبر التيارات الهدامة. إنها تحصين داخلي بقدر ما هي استعداد لمواجهة الأخطار الخارجية.

إن عودة خدمة العلم ليست عودة إلى الوراء، بل هي اندفاع نحو الأمام. فهي تصنع جيلًا يؤمن بالوطن لا كشعار، بل كحقيقة يعيشها في تفاصيل يومه، جيلًا يربط بين التضحية والإنتاج، وبين الانتماء والعمل، وبين الجندية والمدنية. بهذا المعنى، تصبح خدمة العلم مشروعًا وطنيًا شاملًا، لا يخص الجيش وحده ولا الحكومة وحدها، بل يخص كل أسرة وكل شاب وكل مواطن يدرك أن الوطن لا يحمى إلا بسواعد أبنائه.

إنها لحظة فاصلة تضع الأردني أمام مسؤوليته الكبرى. فالمطلوب ليس الانضمام إلى برنامج تدريبي فقط، بل المشاركة في صياغة مستقبل وطن. كل شاب يدخل هذه التجربة سيحمل معه جزءًا من الأردن في قلبه وعقله، وسيخرج أكثر قدرة على أن يكون صانعًا للتغيير، لا مجرد متلقيًا له.

بهذا القرار، يعلن الأردن أنه يواجه العالم بخط دفاع لا يخترق: شباب يعرفون قيمة وطنهم، ويدركون أن قوتهم ليست فقط في ما يتعلمونه داخل المعسكرات، بل فيما يغرس في قلوبهم من قيم الانضباط والشرف والعمل والإنتاج. إنها رسالة إلى الداخل والخارج معًا، تقول إن الأردن سيبقى قويًا بأبنائه، وإن خدمة العلم هي البوصلة التي تعيد الشباب إلى درب الانتماء، وتربط الماضي المجيد بالحاضر الصلب والمستقبل الواعد.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :